توقيت القاهرة المحلي 10:20:41 آخر تحديث
  مصر اليوم -

محمد أبوالغار.. التألق الدائم

  مصر اليوم -

محمد أبوالغار التألق الدائم

بقلم - مصطفي الفقي

ذاع صيته وانتشر اسمه منذ أكثر من أربعين عامًا عندما كان شابًّا يشق طريقه بين أعضاء هيئة تدريس قصر العينى بقسم أمراض النساء والتوليد، واعتبره الجميع رائدًا فى علاج العقم، وصولًا إلى النقلة النوعية الكبرى المتصلة بأطفال الأنابيب، لم نكن نعرف وقتها أن تلك الشخصية الفذة تملك مخزونًا كبيرًا من الاهتمامات السياسية، وأنها منغمسة حتى النخاع فى هموم الوطن وأوجاعه، ثم بدأ اسمه يمضى فى هذا الاتجاه.

وعرفه المصريون أستاذًا جامعيًّا نشطًا فى المجال السياسى وشؤون التعليم الجامعى والحركات الإصلاحية داخل جامعة القاهرة، وتجاوز محمد أبوالغار كل ذلك لكى يُتحفنا بمجموعة نادرة من الكتب الرصينة، بعضها عن ثورة 1919 وعلاقات الولايات المتحدة الأمريكية بها، ثم يؤرخ لليهود المصريين ودورهم السياسى والاقتصادى والثقافى، ويمضى ليقدم لنا كتابه الأخير بعنوان (الفيلق المصرى.. جريمة اختطاف نصف مليون مصرى).

وهو كتاب يلقى الضوء على استغلال الفلاح المصرى، الذى كان وقودًا لقوات الحلفاء فى الحرب العالمية الأولى، وهو يؤرخ فى ذلك بتفصيل موثق على نحو يدعو إلى الدهشة لأستاذ كبير فى الطب، عالِم متميز فى تخصصه، فإذا به يقرع الأبواب ليلقى الضوء حول المسكوت عنه فى تاريخنا الحديث، وهو يفعل ذلك بلغة سهلة وتسلسل منظم، إذ يقع الكتاب فى ثمانية فصول، غير المقدمة والخاتمة.

مع قائمة بالمراجع وملحق بالصور، لقد وضع ذلك الأستاذ الجامعى المرموق، العالِم الفريد بين أقرانه، منهجه فى التحليل العلمى لكى يوضح التفاصيل ويربط بين الدوافع والنتائج مثلما تعود أن يفعل وهو يدرس تشريح الجسد البشرى فى تاريخ الطب!، ولا أنسى أبدًا أن كتابه عن اليهود فى مصر هو موسوعة رائعة لكل مَن يريد أن يعرف عن دور اليهود المصريين فى المكون الاجتماعى لوطننا.

وذلك عبر مراحل شديدة الحساسية فى تاريخ مصر، إن محمد أبوالغار يكتب بموضوعية شديدة وحياد أكاديمى واضح ولا يتأثر بالشعارات الصاخبة أو الآراء المتداولة فى ظل دعايات تاريخية شوهاء حرمت المصريين طويلًا من معرفة كافة الحقائق المتصلة بتاريخهم الوطنى.

ويوضح الدكتور أبوالغار تجربة التعايش المشترك بين الأجانب والمصريين فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين وما بعد ذلك حتى حرب يونيو 1967، ولأننى أعرف الدكتور أبوالغار عن قرب فى بعض المناسبات، فإننى أعترف بأننى أعتبره (ترمومتر) لقياس الوطنية المصرية دون ضجيج أو ادعاء.

بقى أن أقول إن الدكتور أبوالغار لم يترك مناسبة وطنية إلا وشارك فيها بكتاباته الموضوعية وتحليلاته العميقة، وقد انتصر دائمًا لقضايا الحرية والمفهوم الحقيقى للديمقراطية، ولم يلهث وراء منصب ولم يحقق فائدة من موقف معين، فالذى يعنيه هو الوطن.

إذ يختتم مقالاته بعبارة: (قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك)، ومن الواضح أنه تأثر كثيرًا بالوعى التاريخى الذى يمتلكه للفترة التالية لـ1919 والنقلة النوعية بين العصرين الملكى والجمهورى، إن كتابه الأخير أهداه دكتور أبوالغار إلى جميع الفلاحين المصريين، الذين أُهدرت دماؤهم وكرامتهم فى حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.. وإلى كل الوطنيين المصريين، الذين تكاتفت عليهم قوى خارجية وداخلية بالقتل أو السجن.

وأشعر أحيانًا أن الدكتور أبوالغار لو عاصر مذبحة دنشواى والإعدامات الميدانية فى القرية لكان رد فعله مثل الزعيم الوطنى مصطفى كامل، وربما أشد، وما من صديق أعرفه كان على صلة بالدكتور أبوالغار إلا وشاركنى الرأى واتفق معى على أننا أمام نموذج وطنى نادر يعتز به المصريون ابنًا لوطن معطاء وشعب صنع التاريخ فى كل مراحله، تحية إلى الدكتور أبوالغار واحترامًا، ودعاءً له بمواصلة العطاء والمضى على الصراط المستقيم، الذى اختاره لنفسه منذ مطلع شبابه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محمد أبوالغار التألق الدائم محمد أبوالغار التألق الدائم



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 10:20 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
  مصر اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر

GMT 02:57 2020 الإثنين ,06 إبريل / نيسان

رامى جمال يوجه رسالة لـ 2020

GMT 02:40 2020 السبت ,22 شباط / فبراير

المغني المصري رامي جمال يحرج زوجته على الملأ
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon