توقيت القاهرة المحلي 17:17:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التفوق الدراسى والحياة العملية

  مصر اليوم -

التفوق الدراسى والحياة العملية

بقلم - مصطفي الفقي

يدهشنى كثيرًا أن أتأمل رفاق الدراسة فى المدارس والجامعات منذ كنت غلامًا حتى اليوم، حيث أرقب زملائى وكيف تطورت أحوالهم وانتقلوا من مقاعد التعليم إلى ميادين الحياة العملية، وألاحظ أنه لا توجد علاقة حتمية بين التفوق الدراسى والنجاح الباهر فى الحياة العملية، قد يحدث أن يملك البعض الأمرين معًا ولكن لا توجد قاعدة لزومية للارتباط بينهما، فكثير من العظماء والمرموقين لم يكونوا من متوهجى الفكر ولا متقدى الذكاء بل إن بعضهم اتسم بالتخلف الدراسى والبلادة فى التحصيل، لم يكن ونستون تشرشل طالبًا مرموقًا، ولم يكن مجدى يعقوب طفلًا يجيد الحديث ويهوى الحوار، وقس على ذلك عشرات النماذج والأمثلة التى تؤكد أنه لا يوجد ارتباط شرطى بين التألق فى الطفولة والصبا، وبين التفوق فى الشباب والشيخوخة، فلكل من هذه الأمور المرتبطة بالإنسان أسباب وعوامل قد لا تتوافر دائمًا فى كل الحالات، وأنا أدهش كثيرًا عندما أرى الصحف تتبارى فى تمجيد المتفوقين دراسيًا وأحاول تتبع مسيرة بعضهم فلا أجدها ماضية على الطريق الصحيح، وأكتشف أن التفوق الدراسى ليس بالضرورة تعبيرًا دقيقًا عن التميز الشخصى أو مؤشرًا للنجاح فى الحياة العملية، فالكر والفر بين صفحات الكتب المدرسية بل وحفظ بعضها عن ظهر قلب لا يعتبر دليلًا على التفوق بقدر ما هو دليل على الحرص لتحقيق النجاح والانتقال من صف إلى أعلاه، ولقد تذكرت كثيرًا من المتميزين من زملائى فى مراحل الدراسة المختلفة وبحثت عنهم لأجد أن بعضهم حقق نجاحًا ملحوظًا، ولكن الأغلب الأعم منهم لم يتوافر له ما كان يتطلع إليه من مكانة نتيجة تميز فى الحياة العملية وميادين العمل المختلفة، وبالمناسبة فإننى أؤكد هنا أن ارتفاع المجموع الكلى لدارس ما لا يعنى إضافة لمكانة العلم فى بلده، وأنا أتذكر كيف كان يحصل بعض الطلاب فى الشهادات العامة خصوصًا الأجنبية منها على درجات تتجاوز المائة فى المائة ولا أجد تفسيرًا لهذه الظاهرة حتى الآن، وإن كانت قد بدأت فى الاختفاء، لذلك كان أوائل الطلبة يلتحقون بكليات جامعية لا تتفق مع اهتماماتهم وميولهم ولكنها فقط تستثمر الجزء الأكبر من المجموع الكلى فى سنواتهم الدراسية، وكان ذلك فى رأيى مبررًا للقلق وتعبيرًا عكسيًا عن المستهدف من مخرجات العملية التعليمية، ويجب أن أسجل هنا الملاحظات التالية:

أولًا: إن التعليم قد تحول إلى سلعة تباع وتشترى وتقف وراءه أحيانًا – خصوصًا التعليم الخاص والأجنبى – دوافع تتصل بتحقيق الأرباح دون النظر إلى تأثير ذلك على مستقبل الأجيال وطبيعة العلاقات الاجتماعية والإنسانية بينها، فالتفاوت الشديد فى المصروفات الدراسية يصنع نوعًا من العبث الطبقى ويؤدى إلى اهتزاز القيم وتراجع قيمة العلم على كل المستويات.

ثانيًا: إن التعليم كالجندية يجب أن يتساوى أمامها الجميع، فهما عمودان لانصهار المجتمعات التى تقوم على مبدأ المواطنة وحده ولا تفرق بين غنى وفقير وقادر وعاجز، ولقد كان التعليم على عهد آبائنا وأجدادنا يقوم على التكافؤ الحقيقى للفرص ويجلس ابن الغنى إلى جانب ابن الفقير بلا تفرقة، بينما أصبح التعليم حاليًا نوعًا من التميز الاجتماعى الذى يؤدى إلى توسيع الهوة بين الطبقات ويخلق قدرًا من الحقد القائم على المقارنة الظالمة دون وضع لاعتبار ما يتصل منها بالموهبة والجهد وليس الأصول الطبقية أو الثروات العائلية.

ثالثًا: إن الارتباط بين التفوق العلمى والمصروفات الدراسية يجب أن يكون حافزًا أمام الأجيال القادمة لكى تدرك أن التفوق الدراسى يؤدى إلى تخفيض تلقائى فى المستحقات المالية المطلوبة من كل طالب أو طالبة، بحيث يكتشف الجميع أن ما يحققه علميًا ينعكس عليه اجتماعيًا بشكل مباشر، وبذلك تنتهى سطوة الطبقات على بعضها ونكون بإزاء مناخ صحى يدرس فى إطاره الجميع مؤمنين بأن الثمن الوحيد للاستمرار فى الدراسة هو التفوق فيها أو على الأقل عدم الإخفاق فى مراحلها المختلفة.

رابعًا: ينبغى أن تنتهى النعرات المتصلة بالوساطة والتمييز نتيجة العلاقات العائلية أو الارتباطات الوظيفية التى قد تعطى مكانًا لفتى على حساب زميل له أو تسرق من فتاة جهدها الذى تستحقه، فتكافؤ الفرص يجب أن يبدأ من مراحل التعليم المختلفة لكى يكون عنوانًا دائمًا فى كل المراحل بحيث تلتزم المؤسسات التعليمية بأكبر قدر من ديمقراطية التعليم على نحو يؤدى إلى اختفاء الدروس الخصوصية ويدفع إلى المشاركة الجماعية التى تقتضى البدء بالمدرس، فهو جوهر العملية التعليمية وعمودها الفقرى والارتقاء بمستواه ثقافيًا وفكريًا، هو الوسيلة الوحيدة للنهوض بالأمم وتحضير الشعوب، فالعلم لا وطن له ولكن للطلاب أوطانهم وعائلاتهم وهمومهم. إننى أختتم هذا الحديث بأن أتذكر زيارة السفير البريطانى لى فى مكتبى الخاص أثناء الأيام الأولى لثورة 25 يناير 2011 والحشود مرابطة فى ميدان التحرير، يومها سألنى السفير: ماذا يمكن أن تقدم بريطانيا للشعب المصرى فى ظروفه هذه؟ فقلت له: المساعدة على النهوض بالتعليم أولًا وثانيًا وثالثًا فتدريب المعلمين المصريين من خلال دورات تقومون بها فى بلادكم هو خير هدية تقدم للتعليم فى دولة كمصر، ومازلت أكرر نفس العبارة إنه التعليم.. إنه التعليم.. إنه التعليم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التفوق الدراسى والحياة العملية التفوق الدراسى والحياة العملية



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon