توقيت القاهرة المحلي 10:38:23 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الرابع من آب ليس تاريخاً للنسيان أو لتمجيد ضحايا مرفأ بيروت

  مصر اليوم -

الرابع من آب ليس تاريخاً للنسيان أو لتمجيد ضحايا مرفأ بيروت

بقلم : دلال قنديل

مضت ثلاث سنوات وذبذباتُ القلق تعبرُنا كلما أيقظ نعاسَنا وجهُ الطفلة  "الكسندرا"بين الضحايا او هزَنا نداءُ أم تبحث عن ابنها "بعيونه العسلية" أو تناهت الينا إستغاثة من تحت الركام وطاف موج البحر بنا قبالة مرفأ بيروت بعيون ضحايا التفجير المحدقة للسماء. يراودنا ذاك الشعور بالنقصان على الغالب كلما زرنا الاشلاء المتبقية على شكل وطن.

لولا وجوه بعض الاصدقاء والأحبة لكان الوطن جحيماً بعينه،لا مكانَ لحياة فيه.
الرابع من آب ٢٠٢٠ ليس تاريخاً للنسيان ولا لتمجيد الضحايا هو يوم إنفصل فيه الرأس عن الجسد.مازلنا منذ تلك اللحظات المزلزلة نسير على قدمين بلا عقل يزودنا بأفكار او يقودنا للتجاوز ،مهما إبتعدنا.
 شعورُنا بالذنب وعقدة العجز عن مواجهة الحقائق هي لعنة اعمارنا في وطن لم يَعرف فيه العقابُ يوماً طريقَه الا للضحايا.
توقف الزمن عند تلك اللحظة، صفارة قرب نافذة مطبخي قطعت حديثي مع إبنتي،كنت قد عدت للتو من ورشة عمل لمؤسسة" بي. بي. سي" عن مواجهة خطاب الكراهية في الاعلام اللبناني، كنت قد لبيتُ دعوةَ صديقتي الاعلامية الدكتورة زاهرة حرب .

أمرن نفسي على محاولة إستعادة الوقائع بتفاصيلها، ربما تساعدنا الكتابة أكثر من الكلام.تقول النصائح النفسية إنها إحدى تمارين التجاوز ، أن نسعى لرسم المشهدية خارج زوايا ذواتنا المظلمة.
ظننت للوهلة الاولى الصفارةَ دوي طائرة حربية معادية تنفذ غارة على مكان ما بمحاذاة المنزل.
بلمح البصر تزلزلت الارض، توقفت ساعتي بفعل إرتطام معصمي ،لم افلح بتصليحها لاحقاً رغم ارسالها لصانعيهاالسويسريين.إستعادت عقاربها بعد التصليح زمام الزمن ليومين، لتتوقف عند تلك اللحظات مجدداً عند السادسةمساء ودقيقتين.
 توالت الاخبارُ عن حجم الزلزال ، الفجوة قرب القلب بدأت تكبر كلما تكشف حجم الحدث المهول وصور الضحايا.

خواء،فراغ هو شعور الذهول الذي خرجت فيه عن الوعي في تلك اللحظة، هرولت حافية القدمين ألاحق ظل حفيدي الرضيع.حفيدي الذي لم يكن قد أكمل عامه الاول كان بعمر والده الذي إختطفته في ثمانينيات القرن الماضي من جحيم الحرب وهاجرت بعدما قُصف منزلنا في شارع بلس في منطقة الحمرا.كان إسمها "حرب الإلغاء" .
لم يكن اليورانيوم قد دخل قاموس وحشية حروبنا.
  الرابع من آب جعلنا عبرة في انظارِ العالم بعدما شهدنا الانفجار المدمر الثالث في العالم.
فقاعةٌ صفراء غبشَت أنظارَنا، مضينا، عائلتي وانا لنعود بالطفل الذي كان بعيداً ،عيناه ما كانتا بألقهما المعتاد، ذاك الخوف الأخرس أطل منهما.
تحضنه والدته ودموعها لا تتوقف.
لن يفوتنا في الاستعادة ان تلك اللحظات المرعبة وُلدت من رحم فساد اطاح بمدخراتنا وافلس مؤسستنا ودمر احلامنا بانتفاضة أُجهضت ليبقى القيمون على السلطة أسيادَ الواقع الذي صنعوه.
 ثلاثة اشهر بقيت حبيسةَ مكتبي اقرأ وأكتب خلف جدران عازلة. أتابع إعداد التقارير الاخبارية والبث المباشر كل يوم في تلفزيون لبنان ،حميت زملائي من إنهياري ،او هذا ما خُيل لي ، ربما في تلك اللحظات لم يكن ينفعنا الا الالتفاف على ذواتنا كمن يعود لوضعية الرحم في النوم بهدف الاحتماء.
لا كلام يوازي صور الضحايا، لهاثهم تحت الانقاض، ايدي العجزة تضمد الجروح المفتوحة وتضغط، تضغط بقوة العاجز عن وقف النزيف والدم المتدفق لأقاربهم توفوا على عتبات منازلهم ولم تصل اليهم ايدي المنقذين ولا إقتادتهم "عجلات الموتيسكلات" التي نقلت ندرة الى أقرب مركز صحي او مستشفى.
بقيت تلك الصور تحضرني كالكوابيس لأشهر تحرمني النوم.
أدرت ظهريَّ للبحر الذي أحببت، كانت وجوههم تخالط موجه، ودموعي تحرمني إلقاء التحية حتى لأرواحهم.
أشهر فاضت دموعنا قهراً، بقينا ننتظر يوم المحاسبة علنا نفلح في الطبطبة على افئدتنا المجروحة ، علنا ننجح في لململة اشلاء ارواحنا المتشظية...
عبثاً، وهانحن بعد ثلاث سنوات، الحزن لا يواسينا لكنه يجعلنا أقدرعلى الابتعاد.

أكثر ما يعذبنا اليوم العجز عن إجتراح مواساة ولو بكلمة تخفف من لوعة أهل وأحباء شهيد.كم من العائلات إنهارت حيواتها؟ أي كلمات قد تنجح في المواساة ؟ السجون فارغة والقَتَلة يحاضرون برفع المسؤولية عن أنفسِهم،لا بل مازالوا يتنازعون على المناصب والثروات ، يتبارون في تقديم الوعود .
ثلاث سنوات مرت ،مكان الجريمة وذاك المسرح المهشم هو الصورة الاولى التي التقطُها في اليوم الاول لزيارتي بيروت.
بعد كل هذا الاسى هل ننجو ؟ هل ننجح بالابتعاد؟ لا جواب رغم أن الشواهد قد تكون عديدة بأن الاسى المجبول بخلايانا يصعب إنتزاعه.لكننا على الاقل بالابتعاد نكرر المحاولة، على الاقل لنبقي شعلة امل بأنه يوماً ما سيكون على هذا الكوكب عدالة تعيد لنا كرامتنا الانسانية.
في الرابع من آب وبعد ثلاث سنوات على الزلزال الذي عبث بي وبمئات الآلاف من وطني، أتأمل عقارب الساعة الفلكية في ساحة مدينتي الايطالية الجميلة بادوفا ،أتمعن بحكمة صانعها الذي دفعه إضطهاد القيمين على عمله لتجاوز رمز الميزان في الابراج الفلكية التي تلف الساعة الاثرية البديعة. فهل من عدالة تتصفنا يوماً ما؟.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرابع من آب ليس تاريخاً للنسيان أو لتمجيد ضحايا مرفأ بيروت الرابع من آب ليس تاريخاً للنسيان أو لتمجيد ضحايا مرفأ بيروت



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس
  مصر اليوم - فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon