بقلم- طارق الحميد
تعيش المنطقة، منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، حالة من الفوضى واللامسؤولية السياسية بشكل ملحوظ حيث التصعيد العسكري الذي فرض حالة عدم أمن واستقرار في الجو والبحر، وحتى على المناطق الحدودية لكل الدول العربية.
استُخدم كل شيء في منطقتنا، ميليشيات ومسيّرات وصواريخ وخطاب دعائي، بينما الغائب الوحيد عن المنطقة هو وضوح الرؤية حيال ما يحدث، ما من شأنه إشعال صراعات من السهل بدؤها، لكن من الصعب توقع نتائجها.
هناك غياب للرؤية بالنسبة إلى إسرائيل، التي تستمر في القتل والتنكيل في غزة من دون هدف واضح، أو خطة نهائية، متناسية أن القتل يعني مزيداً من التطرف والإرهاب، ولا يقدم حلولاً بديلة عن حل الصراع والانتهاء بالدولة الفلسطينية.
وتواصل «حماس» التعنت والمغامرة من دون خطة واضحة عدا بقاء قياداتها أحياء، وذلك لن يضمن لها غزة، أو حكمها، ولن يؤدي إلى الدولة الفلسطينية، ولن يوقف آلة القتل الإسرائيلية، وموقف «حماس» الآن أضعف مما مضى.
وتحاول إيران استخدام الدعاية لفرض نهجها التوسعي باستغلال القضية الفلسطينية، بينما هي في ورطة مع إسرائيل التي لا تزال تواصل استهداف قيادات «الحرس الثوري» و«حزب الله»، ونجحت إسرائيل بإيقاع إيران في الفخ دولياً.
ولا تزال الولايات المتحدة تواصل التناقض في المواقف، وآخرها استخدام الفيتو ضد الاعتراف بالدولة الفلسطينية بالأمم المتحدة، من دون رؤية أميركية واضحة لكيفية الخروج من هذا الصراع، رغم إعلان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن امتلاك بلاده لرؤية لم نسمع عنها شيئاً!
والعرب مثلهم مثل الأميركيين، حيث هناك جملة من التصريحات من دون رؤية واضحة لما هو مرغوب، وكيفية تحقيقيه، ويقال إن اللجنة السداسية قدمت خطة عمل لواشنطن، ولم ترد عليها بإيجابية، ولا نعلم ما الخطة، ولم يتسرب منها شيء!
ومن يراقب التصريحات الأوروبية فلن يجدها بعيدة عن تصريحات الولايات المتحدة، من حيث التناقض، إلا أنه ليس لأوروبا أثر يذكر حتى الآن. وعليه فإن هذه السيولة الحاصلة، ومنذ السابع من أكتوبر، تعد خطرة وقد تقودنا إلى صراعات مدمرة مع عدم وجود ضوء آخر النفق.
وهذا أمر يتطلب طرح رؤية فاعلة، أو ورقة من نقاط عدة، لما يمكن تحقيقه آنياً، ومستقبلياً. ولا تستطيع الأطراف المتصارعة الآن رؤية ما هو أبعد من أنفها، ولذا على الدول العربية المعتدلة إعداد خطة واضحة، وقابلة للتنفيذ، آنياً ومستقبلياً، تجاه عملية السلام، وواقع الميليشيات الإيرانية بالمنطقة من سوريا إلى العراق ولبنان.
رؤية تكون قابلة للتنفيذ، سواء على عملية السلام، وهي المفتاح، وتجاه التوسع الإيراني، والملف النووي، وترسم الطريق وتحدد الحلول وفق تواريخ محددة، وتُطرح دولياً وبشكل علني، كما حصل وقت طرح المبادرة السعودية التي تحولت إلى مبادرة عربية.
رؤية تكون صريحة إلى درجة طرح الأسئلة الصعبة، مثلاً، هل كان من الأفضل للسلطة الفلسطينية اللجوء للأمم المتحدة من أجل الاعتراف بالدولة، أو السعي لفعل ذلك عبر الدول نفسها، وخارج إطار الأمم المتحدة الآن، وذلك لتجنب الفيتو الأميركي المتوقع؟
لذا علينا طرح خطتنا، وإما تنفذ أو تحرج الجميع، وتظهر عجزهم.