طارق الحميد
أعلنت واشنطن عن تخصيص مبلغ مقتطع من عمليات البنتاغون في باكستان، وذلك من أجل القيام بعمليات تدريب وتأهيل لقوات مكافحة إرهاب ليبيا من شأنها التصدي لتنظيم القاعدة. وتأتي هذه الخطوة بعد حادثة القنصلية الأميركية في بنغازي ومقتل السفير الأميركي هناك. ولا شك أن هذه الخطوة مهمة ومطلوبة، ليست للتصدي لـ«القاعدة» فحسب، بل ومن أجل مساعدة الليبيين على بناء مؤسسات أمنية، وغير أمنية، تساعد على النهوض بليبيا ككل. لكن الخوف من هذه المساعدة الأميركية هو أن تتحول ليبيا إلى مسرح عمليات أميركي ضد تنظيم القاعدة، كما هو الحال في باكستان واليمن، خصوصا عمليات الطائرة بلا طيار التي تجوب أجواء هذين البلدين. وفي حال كان الاتفاق الأمني الأميركي - الليبي يسير في ذلك الاتجاه، فإن من شأن هذا إدخال ليبيا ككل في حالة من عدم الاستقرار، حيث ستجد بعض الجهات في التدخل الأميركي مادة دعائية دسمة من شأنها تأليب الليبيين العاديين، أو تجييش الليبيين المحافظين، وهذا أمر بالغ الخطورة. فمن أجل ضمان إنجاح المساعدة الأميركية لليبيين لتأسيس مؤسسة أمنية لمكافحة الإرهاب، فالأفضل أن يتم ذلك بسواعد ليبية صرفة، ومن دون تدخل أميركي، لا بقوات، ولا باستخدام طائرات بلا طيار، بل ومن أجل ضمان إنجاح مشروع مكافحة الإرهاب عموما في ليبيا، فمن الأفضل أن يسهم الأميركيون بإقناع المسؤولين الليبيين بضرورة تبني أفكار خلاقة وعملية، لاحتواء جميع الثوار الليبيين، وذلك ضمانا لاستعادة الأسلحة من الشوارع، مما سيضمن استقرار ليبيا أكثر. فـ«القاعدة» لا تنتشر إلا في المجتمعات غير المستقرة. ومن ضمن تلك الأفكار الخلاقة ما طرحه السيد نوري العبري، رئيس المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا، في مقابلته المنشورة قبل أيام في صحيفتنا، وأجراها معه زميلنا عبد الستار حتيتة، حيث اقترح العبري فكرة تأسيس الحرس الوطني الليبي، والذي من شأنه احتواء الثوار، حيث قدم العبري شروحا مفصلة لذلك في ثنايا الحوار المهم الذي حذر فيه العبري أيضا من أن نبذ الكتائب المسلحة من شأنه أن يحولها إلى خطر على الجميع. وهو محق في ذلك، وأبسط مثال لخطورة النبذ والإقصاء، ما حدث - ويحدث - في عراق ما بعد صدام حسين. ولذا، فإن أفضل مساعدة يمكن أن يقدمها الأميركيون لليبيين في مكافحة الإرهاب هي التدريب، والتنظيم، وإقناعهم بضرورة تأسيس حرس وطني يحتوي كل الثوار والميليشيات، وترك الليبيين أنفسهم يخوضون معركة التصدي لتنظيم القاعدة، أو أي جهات متطرفة أخرى، ومن دون أن يتورط الأميركيون في ذلك، وتحت أي ظرف. لأن من شأن ذلك أن يخلق انقسامات خطيرة داخل المجتمع الليبي، الذي يظهر روح اعتدال إلى الآن، ورغبة للمضي إلى الأمام، فليبيا دولة لا تعاني انقسامات آيديولوجية، أو صراعات مذهبية، كما أنها دولة لا تعاني أزمة مالية. وكل ما تحتاجه ليبيا هو العمل الجاد، وتبني الخيارات العملية، والأفكار الخلاقة، وخصوصا أن ما يظهر من الطبقة السياسية في ليبيا، وإلى اللحظة، يدل على إحساس بالمسؤولية، والخوف كل الخوف أن تصبح المساعدة الأميركية عاملا لعدم الاستقرار، خصوصا إذا أراد الأميركيون التصرف في ليبيا على غرار ما يحدث في اليمن، أو باكستان.