طارق الحميد
قل في المعارضة السورية ما تشاء، وحتى في إخوان سوريا، لكن الأهم أنهم استطاعوا انتخاب زعيم مسيحي للمعارضة الممثلة بالمجلس الوطني، وقد يقول قائل إن ذلك ما كان ليتم لولا الجهد الدولي المكثف بالدوحة، عربيا وإقليميا، ودوليا، وهذا صحيح، وهو ما كنا نقوله منذ انطلاق الثورة السورية تماما.
فمنذ انطلاق الثورة الشجاعة كان البعض يتحجج صادقا، أو بكلمة حق يراد بها باطل، بأن إشكالية الثورة السورية أنها بلا معارضة موحدة، وكنا نفند، ومعنا آخرون، وإن تأخروا، بأن هذا كلام غير دقيق، فالمعارضة السورية ستتوحد حالما تجد دعما دوليا حقيقيا، على غرار ما حدث للمعارضة العراقية بمؤتمر لندن قبل احتلال العراق، والأمر نفسه بالنسبة للمعارضة الليبية قبل تدخل الناتو ضد قوات معمر القذافي، ولو كان بشار الأسد يعي ما يرى، وما يدور حوله، فإن عليه أن يتمعن جيدا في الصورة التاريخية التي بثتها وكالات الأنباء العالمية من الدوحة، وتصدرت صدر صحيفتنا يوم الجمعة لكل من رئيس وزراء قطر، ووزيري خارجية كل من الإمارات وتركيا، فلو كان لدى الأسد ذرة من وعي فإن تلك الصورة تشبه تماما صورا مماثلة وقت مؤتمر أصدقاء ليبيا الذي أسقط القذافي.
وعليه فقد استوعبت المعارضة السورية، ومعها بالطبع إخوان سوريا، أن المشهد الدولي قد اختلف، وأن المسألة تتطلب كثيرا من الجدية الآن، وإنكار الذات، من أجل تجهيز اللحظات ما قبل النهائية لإسقاط الأسد، سياسيا، أو عسكريا، ولذا فقد تم انتخاب زعيم مسيحي للمجلس الوطني السوري، وهو السيد جورج صبرا، والحقيقة أنه مرونة من قبل المعارضة، وإصرار من قبل الرعاة العرب، والإقليميين، والدوليين بمؤتمر الدوحة، مما نجم عنه انتخاب زعيم سوري مسيحي ليسقط ورقة الخوف على الأقليات التي لوّح بها الأسد في مقابلته الأخيرة مع قناة «روسيا اليوم»، والمضحك أنه يمكن اعتبار أن الأسد هو من أعطى الدفعة القوية الأخيرة للمعارضة السورية لتنتخب زعيما مسيحيا، خصوصا عندما قال إن نظامه يمثل «المعقل الأخير للعلمانية، والتعايش في المنطقة»، فعلينا ألا ننكر أن أحد أبرز أسباب الثورة السورية هو الأسد نفسه بقراراته المتعنتة والخاطئة، وأعماله الإجرامية، حيث كان بمقدوره، أي الأسد، أن يقدم على تنازلات لا تذكر مقارنة بأنظمة عربية أخرى سقطت، ليبقى في الحكم، لكنه عمى البصيرة.
وبالطبع فإن انتخاب صبرا لا يمثل غاية الأمل بالإصلاح المنشود في منطقتنا، فقبل عقود من الزمان، وتحديدا قبل الانقلابات العسكرية الكارثية التي لم تجلب لمنطقتنا إلا الخسائر والتخلف، لم تكن هناك إشكالية في تولي الأقليات، مسيحيين، وغيرهم، للمناصب العامة، أو الحضور النجومي بالمجتمعات العربية، سياسيا، واقتصاديا، وفنيا، والأمر نفسه كان ينطبق على الأكراد، وغيرهم من ديانات أخرى حتى يهود المنطقة، لكن أهمية انتخاب صبرا تكمن في إسقاط ورقة الأقليات، كما أنه يحد من جشع الإخوان المسلمين الذين أحرقوا بغبائهم السياسي كل رصيدهم في عام واحد، وذلك بسبب الجشع السياسي والإقصاء.
المهم اليوم أن المعارضة السورية خطت خطوة مهمة، وبإشراف عربي ودولي، وهذا ما كنا نردده طوال عامين، مما يرسل رسالة للأسد مفادها: إن أيامك معدودة.
نقلا عن جريدة " الشرق الاوسط "