طارق الحميد
لماذا يسعى الجميع الآن للبحث عن الهدنة، والتهدئة، في غزة، وخصوصا إسرائيل وحماس، وهو ما يتضح من تصريحاتهم، ويضاف إليهم مصر بالطبع؟ الإجابة بسيطة جدا، وتتضح يوما بعد آخر، فقد حققت إسرائيل أهدافها ومثلها حماس، بينما لمصر التي تعتبر في عين العاصفة دوافع أخرى.
إسرائيليا، يرى نتنياهو أنه وجه ضربات للبنى التحتية الخاصة بحماس، واكتسب دعما دوليا لعدوانه على القطاع بسبب الصواريخ المطلقة من غزة، كما أنه لا يريد كسر حماس لأن البديل سيكون جماعات أخرى ولاؤها مطلق لإيران، وهي من أبرز مشعلي هذه الحرب، وبالطبع ضمن نتنياهو أن أي اتفاق ستكون له تداعيات على إطلاق الصواريخ مستقبلا، كما ضمن أن تكون مصر الإخوانية طرفا ضامنا بالتهدئة المتوقعة، حيث ألزم نتنياهو القاهرة باتخاذ نفس خطوات نظام مبارك، فلا جبهة عسكرية فتحت، ولا قطعت علاقات، بل إن الحلول والجهود المصرية كلها سياسية، فليس أمام الرئيس المصري خيارات كثيرة، بل إنه يريد الهدنة عن صدق، وهذا أمر لا شك فيه، كما يريدها لوقف تداعياتها على الداخل المصري.
والرأي العام المصري، وأوضاع مصر، هي التي دفعت خالد مشعل للقول في مؤتمره الصحافي بالقاهرة: «العدو أراد اختبار مصر الجديدة.. مصر 25 يناير (كانون الثاني)، فكان الجواب غير الذي توقعه، أراد أن يختبر العرب في ربيعه فكان العرب عند حسن ظننا». فمشعل يدرك خطورة إحراج مصر الآن، ولأنه - أي مشعل - قد حقق ما يريده عطفا على حرب غزة، فإحدى نتائج هذه الحرب، والتهدئة بالطبع، هي عودة مشعل زعيما لحماس، بل لغزة كلها، وباعتراف إسرائيلي أيضا، خصوصا مع إتمام الهدنة، وبضمانة مصرية دولية.
فما ينساه البعض، وأشرنا إليه في مقال «ليس مرسي.. حتى حماس بورطة»، أن مشعل، حتى قبل العدوان الإسرائيلي الأخير، كان قد أعلن عن عدم رغبته في الترشح للمرة الخامسة لزعامة حماس التي يحتلها منذ 1996. نتيجة خلافات داخل الحركة، وتردد أن هناك توجها ليخلفه إما إسماعيل هنية أو أبو مرزوق، ثم قيل إن مرشد عام إخوان مصر طلب من مشعل التزام الصمت، وعدم تكرار حديثه عن التنحي، بعد أن تدخل المرشد المصري على أثر الأزمة التي تعيشها حماس، قبل حرب غزة الحالية، وحالت تلك الأزمة دون انتخاب أعضاء المكتب السياسي العام لحماس، واختيار خليفة لمشعل، الذي يعود الآن للزعامة من باب حرب إسرائيل على غزة. فمشعل هو من يتحدث، ويعبر عن الرغبة بالتهدئة حيث يقول: «لا نريد تصعيدا، حماس شجاعة ولكنها ليست متهورة..»! بل إن مشعل يدعو الفلسطينيين اليوم إلى ضرورة وضع حد لانقسامهم، وهنا لا يملك المرء إلا أن يقول: يا سبحان الله!
المراد قوله إن الجميع الآن يريد نهاية العدوان الإسرائيلي على غزة، ومن يريدون إنهاء العدوان فيهم الصادق، وفيهم المتورط بقلة الحيلة، لكن بالطبع هناك من يريد إيقافها حفاظا على ما تحقق من نتائج، فمشعل عاد زعيما، ونتنياهو استفاد داخليا وخارجيا، أما الضحايا فهم الفلسطينيون وقضيتهم.
هذه هي الحقيقة وإن أغضبت.
نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"