طارق الحميد
هزات عدة شهدتها منطقتنا، وتشهدها، وفي فترة وجيزة، حيث معركة الدولة في مصر بين الإخوان المسلمين وعموم الشعب، وتداعيات حرب الأيام الثمانية في غزة، والاعتراف بالدولة الفلسطينية دوليا، ولو بصفة مراقب، وتبلور ملامح سقوط نظام بشار الأسد.
وكل قصة مما سبق تعد هزة بحد ذاتها، لكن دعونا نتوقف أمام الهزة التي أصابت مريدي الإخوان في المنطقة، أو من أصفهم بالـ«هتيفة»، والذين فقدوا صوابهم في الرد على كل من يخالفهم، ولأسباب عدة، منها الانقلاب الإخواني بمصر، وعجزهم عن الدفاع عن ذلك، وكذلك حرب الأيام الثمانية بغزة، وكيف انتهت. فعلى أثر توقف حرب غزة، التي انتهت بأن تكون مصر الإخوانية هي الضامنة لتلك الهدنة ومعها حماس أيضا، التي بتنا نسمع قياداتها وهم يشددون الآن على كل الفصائل بضرورة احترام الهدنة مع إسرائيل، مضافا لكل ذلك اعتراف خالد مشعل بحدود 1967، مما يعني أن لا فرق بين حماس والسلطة الفلسطينية.. على أثر ذلك الاتفاق حدثت هزة عنيفة في صفوف «هتيفة» الإخوان، فهم يلومون العرب «المتصهينة» و«العملاء» و«الخونة» لأنهم يقولون، إن حماس لم تنتصر. والسؤال هنا: خونة مع من؟ وعملاء لمن؟ وكيف يكونون متصهينين والهدنة تمت برعاية إخوانية خالصة؛ الرئيس المصري، وحماس؟ والإشادة بالدور الإخواني المصري جاءت من قيادات إسرائيل وأميركا، بل إن مجلة «تايم» الأميركية تصف الرئيس مرسي بأنه أهم رجل الآن بالشرق الأوسط بعد اتفاق غزة الذي انتهى بنفس شروط اتفاقيات نظام مبارك في عام 2005؟
والأمر، أو المأزق، لا يتوقف هنا، بل إن البعض يقول، إن استفزاز الإعلام الليبرالي للإخوان هو الذي جعل الإخوان يتغولون، والسؤال هنا أيضا: أولم يكن هذا هو نفس العذر إبان ظهور إرهاب تنظيم القاعدة في السعودية؟ لحظة، فلم ننته، فالقادم أخطر. فها هو العالم يحذر الأسد من استخدام الأسلحة الكيماوية، أميركا وأوروبا، والناتو، وبالطبع إسرائيل، وهنا تكمن ورطة «هتيفة» الإخوان، حيث خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ليقول، إن بلاده «تتابع عن كثب» مسألة الأسلحة الكيماوية في سوريا، مضيفا: «سمعت التعليقات المهمة للرئيس أوباما حول الموضوع، ونحن نرى الأمور بالطريقة نفسها»، أي التدخل في سوريا! والسؤال هنا: ماذا لو أصبحنا ووجدنا
إسرائيل قد قامت بمهاجمة النظام الأسدي، وتخلصت من أسلحته الكيماوية، فهل حينها سيقف «هتيفة» الإخوان مع الأسد، رغم قتله أكثر من أربعين ألف سوري، فقط لأن إسرائيل تدخلت؟ أم أنهم سيلتزمون الصمت؟ وحينها سيكون السؤال: وماذا عن عقود من الإرث الإخواني التحريضي ضد عملية السلام وإسرائيل؟
إنه مأزق حقيقي يقول لنا، إنه لا يجب إقحام الدين بالسياسة، ولا تحويل السياسة إلى أبيض وأسود عبر المنابر، أو شتائم، فالمسألة أعقد من ذلك. هذا هو المأزق الذي يقع فيه «هتيفة» الإخوان اليوم، خصوصا أنهم غير منتبهين إلى أن الإخوان هم أصدقاء أميركا، وإسرائيل الآن، وليس الدول المعتدلة، أو الليبراليون، والدليل هدنة غزة، وسكوت الغرب عن انقلاب الإخوان بمصر، ولذلك فإن الإخوان، وهتيفتهم، بورطة، والقادم أسوأ بالطبع.
نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"