طارق الحميد
لا شك أن كل محب لسوريا الدولة، وكل متعاطف مع الثورة السورية، يدرك خطورة تفشي الإرهاب، والمجاميع الإرهابية، هناك، بل إن العقلاء حذروا، ومنذ بدء الثورة السورية، من ذلك الخطر. لكن اللافت اليوم أن واشنطن تعلن وضع «جبهة النصرة» المقاتلة في سوريا على لائحتها السوداء. وقد يقول قائل: ما الغريب في هذا؟
الغريب بالطبع أن واشنطن تضع مجموعة مقاتلة على لائحة الاتهام قبل أن تعترف أساسا بالمجموعة الأهم اعترافا رسميا وهي الائتلاف السوري. وبالطبع يتردد أن أميركا تنوي الاعتراف بالائتلاف الوطني السوري في اجتماع المغرب، لكن الملاحظة هنا أنه كان من الأولى بواشنطن أن تعترف بالائتلاف السوري الشرعي أولا، وكان الأولى أيضا، وهذا ما طالب به العقلاء منذ اندلاع الثورة السورية، أن تبادر واشنطن للاقتراب من المعارضة السورية أكثر، وتحديدا الجيش الحر. فكلما كان هناك تنظيم واضح متماسك للثورة، قل منسوب الإرهاب والإرهابيين في سوريا. فمع تواصل جرائم النظام الأسدي الوحشية، يجب أن لا نستغرب تطرف حتى المعتدل، فمقتل ما يزيد على أربعين ألف سوري من شأنه أن يفقد العاقل صوابه.
ولذا فقد كان من الأحرى بواشنطن أن تبادر سريعا، وكما فعل العرب، والأوروبيون، بالاعتراف بالائتلاف الوطني السوري كممثل وحيد للشعب السوري، فمن شأن ذلك أن يقطع الطريق على الإرهاب، والإرهابيين، اليوم، وحتى بعد سقوط الأسد، وبالطبع فإنه لا ضامن لعدم ظهور مجاميع إرهابية بعد سقوط الأسد، لكن على الأقل ستكون الكتلة السورية العقلانية هي صاحبة اليد العليا، كونها الأقوى والمعترف بها، ليتسنى لها دحر هؤلاء الإرهابيين.
فتأخر واشنطن في اتخاذ الحلول الناجعة في سوريا هو الذي سيدفع إلى زيادة الإرهابيين، وهو ما يعقد الأمور، خاصة أن واشنطن أظهرت قلقا كبيرا على الأقليات في سوريا، وفي الوقت الذي كانت الأكثرية هي التي تعاني من جحيم الأسد، والقضية هنا ليست قضية أقلية مقابل أكثرية، بل هي قصة عدم وضوح الرؤيا الأميركية في هذا الملف بمنطقتنا، حيث التناقض الصارخ بين مواقف واشنطن في العراق، مثلا، في قصة الأقلية والأكثرية، ومواقفها كذلك تجاه الدستور المصري المطروح، ورغم اعتراض الأقليات، وشريحة لا يستهان بها من المجتمع المدني المصري. فما تحتاجه المنطقة، ومن جميع القوى الدولية المؤثرة بما فيها أميركا، هو المساعدة على ترسيخ الاستقرار، ووفق شروط منصفة، وعادلة، لكل المنطقة، وهي شروط مستحقة، وليست بدعة، مثل حفظ الحقوق للجميع، وحماية الدولة، لأن انفراط عقد دول المنطقة ستكون له عواقب وخيمة على أمن المنطقة، والمجتمع الدولي، وكذلك نصرة المظلوم، والحالة السورية تمثل أكبر نموذج صارخ للتقاعس الأميركي، حيث لا يعقل أن يقتل الأسد شعبه وأميركا تتحدث عن حماية الأقليات، وتقوم بإدراج مجموعة إرهابية سورية على القائمة السوداء قبل أن تعترف أساسا اعترافا كاملا بالائتلاف الوطني السوري.
ولكي لا يفسر الأمر هنا على أنه نصرة لما يسمى بجبهة النصرة، فإن المقصود وبلغة واضحة هو أن الأجدى بالأميركيين أن يعترفوا أولا اعترافا كاملا بالائتلاف الوطني السوري؛ فالاعتراف بالعقلاء يقلل من مخاطر الأشرار، وأيا كانوا.
نقلاً عن جريدة "الشرق الاوسط"