طارق الحميد
السؤال أعلاه سؤال جاد، وليس محاولة استفزازية، فلماذا لدينا في منطقتنا أمثال حسن نصر الله، أو غيره ممن يحاولون اللعب على العواطف الشعبية، أضف لهم خالد مشعل، وكذلك الإخوان المسلمين، وكثرا؟ الإجابة بسيطة جدا، وهي أن مثقفنا حريص على الشارع أكثر من حرصه على وعيه، ولدينا بعض من الساسة الذين يدمرون مفهوم رجل الدولة، ولدينا كذلك إعلام مؤدلج.
وقد يقول القارئ: وما الداعي لمثل هذا الحديث؟ السبب بسيط جدا، ففي 19 يناير (كانون الثاني) 2011 أعلن الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، أن بلاده قد رفعت يدها عن الوساطة في لبنان، حيث قال الأمير سعود إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز شخصيا «اتصل مباشرة، الرأس بالرأس، بالرئيس السوري، فكان الموضوع بين الزعيمين للالتزام بإنهاء المشكلة اللبنانية برمتها، لكن عندما لم يحدث ذلك أبدى خادم الحرمين الشريفين رفع يده عن هذه الاتفاقات». ثم أفاض الفيصل وقتها في الحديث عن خطورة الأوضاع في لبنان إلى أن قال، وهنا بيت القصيد: «إذا وصلت الأمور إلى الانفصال وتقسيم لبنان انتهى لبنان كدولة تحتوي على هذا النمط من التعايش السلمي بين الأديان والقوميات والفئات المختلفة، وهذا سيكون خسارة للأمة العربية كلها».
على أثر ذلك تصدى زعيم حزب الله، حسن نصر الله، لتعليقات، وتحذيرات وزير الخارجية السعودي بالقول: «يا عمي شو هالحكي.. لبنان كله هالقد!»، مشيرا بكف يده! لكن اليوم، وفي يناير 2013 يخرج لنا حسن نصر الله نفسه ليقول: «في لبنان يجب أن نشدد على تمسكنا بوحدة لبنان، وطنا وأرضا وشعبا ومؤسسات، وإذا أطلت من هنا، أو هناك، مشاريع دويلات، أو إمارات، يجب أن نرفضها جميعا، لأن لبنان أصغر من أن يقسم»! والسؤال هنا لحسن نصر الله، ومن ناصره من قبل، ومن يناصره الآن: كيف كان خطر التقسيم على لبنان موضع تندر من قبلك يوم قالها وزير الخارجية السعودي، والآن أصبح خطر التقسيم على لبنان حقيقيا، وها أنت تخرج بنفسك لتحذر اللبنانيين منه؟ فكم من الخسائر، في الأموال والأرواح قد تكبد لبنان واللبنانيون، منذ تحذير الفيصل وإلى أن أدرك نصر الله أن خطر التقسيم على لبنان حقيقي، ولو كان لبنان «كله هالقد»؟ ومن يتحمل تلك الخسائر؟ بل ومن يحاسب نصر الله نفسه؟
أسئلة جادة، تتطلب وقفة مع النفس، والثقافة السائدة، فلماذا تخدع منطقتنا، طوال عقود، المرة تلو الأخرى من قبل كل من يدغدغ مشاعر الرأي العام، متلحفا بالمقاومة مرة، وبالدين مرة أخرى، سواء من السنة أو الشيعة؟! والقصة ليست قصة نصر الله وحده، بل هناك حماس وما تفعله بالقضية الفلسطينية، وبشار الأسد وأكذوبة الممانعة والمقاومة، والأوضاع الراهنة في العراق، وبالطبع ما يحدث في مصر، حيث ما أشبه الليلة بالبارحة.
إشكاليتنا أن لا أحد يرصد، أو يذكر بالحقائق، وما قيل بالأمس، وما يقال اليوم، ولذلك نحن في حفلة مستمرة من التضليل، وكلنا ضحاياها وندفع الثمن من أعمارنا وأعمار أبنائنا، للأسف!
نقلاً عن جريدة " الشرق الأوسط " .