طارق الحميد
منذ سقوط نظام صدام حسين في العراق، وحتى اليوم، ومرورا بكل أزمات المنطقة، كان العقلاء على المستويات كافة يحذرون من اللعب بورقة الطائفية، سواء في النظام السياسي العراقي ككل، أو في لبنان، أو الخليج العربي، أو حتى اليمن، وكان التحذير يوجه تحديدا لإيران وحلفائها وعملائها، وكان الرد إما بالاستخفاف، وإما بالتهكم، على تلك التحذيرات.
وبالطبع، فإن أبرز الضالعين في اللعبة الطائفية المقيتة بالمنطقة، إيران، ونظام بشار الأسد، وحزب الله، سواء في عراق ما بعد صدام حسين، وحتى الانتخابات العراقية الأخيرة، أو في لبنان، أو اليمن، وحتى في دول الخليج، حيث لعب هذا الثلاثي، إيران والأسد وحزب الله، مضافا إليهم حلفاء مؤقتون، حسب المرحلة والحالة، أسوأ الأدوار الطائفية الشريرة في المنطقة، تارة باسم الممانعة والمقاومة، وأخرى باسم الأكثرية، حيث قاموا بتشويه الديمقراطية بشكل مذهل، وكذلك باستغلال الجماعات المسلحة الإرهابية، بما فيها «القاعدة»، وأوضح مثال هنا ما حدث في العراق، أو من خلال تحريك الحوثيين في اليمن، أو بالتصفية والاغتيالات، وأبرزها اغتيال رفيق الحريري في لبنان، وبالطبع كانت هناك ماكينة إعلامية تخوينية تساندهم، وتقوم بتضليل الرأي العام بشكل مذهل مستغلة كل ما هو متاح، من إعلام تقليدي وغير تقليدي.
اليوم، ويا سبحان الله، انقلب السحر على الساحر، حيث نجد أن أبرز مَن يشكون من الطائفية هم مَن استخدموها كورقة من أوراق اللعب في المنطقة طوال السنوات العشر الماضية.. فحسن نصر الله يحذر من الطائفية في لبنان وسوريا والعراق، ويحذر من ظهور إمارات إرهابية يقول إنها مدعومة من أميركا، وكلنا يعي ويعلم أنه لولا أخطاء أميركا الفادحة في المنطقة لما تمكن أتباع إيران من فعل ما فعلوه. وعلى غرار نصر الله نجد اليوم مريدي نوري المالكي، وحلفاءه، يحذرون من الطائفية في العراق. والأمر نفسه، أي التحذير من الطائفية، نجده الآن من نظام الأسد، والمدافعين عنه، حيث نسمع الأسد نفسه الآن يحذر من الإرهابيين، ومن يريدون إعادة سوريا لقرون قديمة، بحسب قوله، والأمر نفسه أيضا نسمعه من مسؤولين إيرانيين يحذرون من خطورة الطائفية على المنطقة ككل!
وعليه، فإن جلَّ من يشتكون، ويحذرون، من الطائفية الآن، ويحاولون إقناع الغرب حاليا بخطورتها، هم أنفسهم الذين لعبوا على ورقة الطائفية المقيتة في المنطقة، واعتقدوا أنهم بذلك التذاكي سيشكلون واقعا يصعب تغييره، لكن منذ سقوط نظام صدام حسين، وحتى اليوم، فإن ما حدث هو العكس، حيث لم تعرف المنطقة الاستقرار، وانقلب السحر على الساحر، وعصفت التغييرات بالمثلث الطائفي، إيران وبشار الأسد وحزب الله، ومن تلك المتغيرات بالطبع الزلزال العربي، أو الربيع العربي، الذي يقول عنه الأسد في خطابه الأخير إن «الربيع عبارة عن فقاعة صابون ستختفي»، رغم أن الحاصل الآن هو أن نظام الأسد هو مَن أوشك أن يختفي، هذا فضلا عن تضرر مصالح إيران، سواء في سوريا أو العراق أو لبنان.
ومن هنا، فإن الدرس المعلوم والذي تناساه المثلث الطائفي مطولا، أن من يلعب بالطائفية سيكون أول من يكتوي بنارها، وهذا ما هو حاصل اليوم في منطقتنا، لكن من يتعلم؟!
نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"