طارق الحميد
تقول السيدة هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية، إن الربيع العربي جاء بقادة إلى السلطة ليست لهم خبرة في الحكم وإدارة الدولة، مما أدى إلى الارتباك والفوضى وغياب الأمن، مثل ما هو حادث في دول شمال أفريقيا، وهذا عذر غير مقنع، وإن كان يحرض على التساؤل: فإذا كان قادة الربيع ليس لديهم خبرة، فماذا يمكن القول على من وقف معهم، ودعمهم، وصدق شعاراتهم؟
فقد كان بالإمكان، وتحديدا في بعض دول الربيع العربي، أن تكون العملية الانتقالية مضمونة بشكل أكبر لو تمت بعمق ومسؤولية، بمعنى كتابة الدساتير أولا، وضمانات حقيقية تعطى للأقليات، واحترام العملية السياسية برمتها. وهنا يجب أن نتذكر أن الرئيس أوباما كان يطمح في رؤية وائل غنيم، مثلا، رئيسا منتخبا لمصر، فماذا عسانا أن نقول بعد ذلك؟! وعليه فإن القصة في دول الربيع العربي ليست قصة نقص الخبرة، والدليل ما يحدث في العراق، ومنذ سبع سنوات، حيث لم يتعلم أحد، أو ما هو حادث في السودان على مدى ردح من الزمان حتى انتهى الأمر بتقسيم البلد.
الإشكالية الحقيقية في دول الربيع العربي ليست في نقص الخبرة بل نقص الرؤية، وغياب رجال الدولة، وذلك ناجم عن غياب المصداقية في النوايا، فالمنتصرون في حفلة الربيع العربي تنقصهم القناعة بأن الأوطان لا تبنى بالشعارات والوعود الواهية وإنما بالأنظمة والقوانين الواقعية، والعملية، والتي تستشرف المستقبل. كما أن الدول لا تبنى بالإقصاء وإنما بإحياء حس المسؤولية والمشاركة لدى الجميع، والدول لا تبنى من باب أن الناس ينقصهم الورع، وإنما بإدراك أن الناس بحاجة ماسة للأمن والأمان، والوظائف، والفرص، والتعليم، والحفاظ على كرامتهم. ويكفي أن نتذكر أن الخالق عز وجل منّ على عباده بأن أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، بينما جل قادة الربيع مشغولون بكيفية ترسيخ حكمهم وإقصاء الآخر.
إشكالية دول الربيع العربي الحقيقية هي أنه لا أحد يكترث بالبناء، وجمع الناس، والمصالحة، والتوافق والتسوية، علما بأن جل قادة دول الربيع عائدون من الغرب، سواء في مصر، أو ليبيا، أو تونس، عاشوا في الغرب ورأوا واقعية الأنظمة، وقيمة القانون، والتعددية، والحريات، ورأوا الغرب بخيره وشره، وبعضهم يحملون جنسياته. لكن ما فعلوه حين دانت لهم السلطة هو الانقلاب على كل ما قيل إبان فورة الربيع العربي، وكل المفاهيم السياسية الحديثة، فخونوا من يخالفهم، وأقصوا من شاركهم في ميادين التحرير، وشكلوا تحالفات قائمة على استغلال اللحظة، وليس التهيئة لبناء مستقبل. وها هم يختلفون بعد توزيع غنائم السلطة، وأبسط مثال ما يحدث في مصر بين «الإخوان» والسلفيين، بل والأدهى من كل ذلك عندما تجد محسوبين على «الإخوان» في الخليج العربي، مثلا، وممن صدعوا رؤوسنا بالحريات والإصلاح، ينصحون علنا بضرورة «احتواء» الإعلام الليبرالي في مصر! ولذا، فإن الإشكالية ليست في نقص الخبرة، وإنما في غياب النوايا الصادقة، واستشراء الرغبة الجشعة بالاستحواذ على كل شيء، وكأن الأوطان مجرد غنيمة ميدان!
نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"