طارق الحميد
من الطبيعي أن يقول علي أكبر ولايتي مستشار شؤون السياسة الخارجية للمرشد الأعلى الإيراني، إن أي هجوم عسكري على سوريا سيكون بمثابة هجوم على إيران، لكن لماذا الآن وليس قبل ستة أشهر، أو عام، أو حتى قبل مؤتمر جنيف، وكل المؤتمرات الأخرى الخاصة بالأزمة السورية؟ فلا أحد يتحدث الآن عن تدخل خارجي بسوريا، ولا نرى استعدادات حقيقية لذلك، بل إن الجميع «يتوسل» بضرورة دعم الثوار بالأسلحة، وخصوصا أن المعارك تدور في أحياء دمشق ضد الطاغية، فما الذي يجعل مستشار المرشد الإيراني يتهدد، ويتوعد، ويقول إن «لسوريا دورا أساسيا للغاية ورئيسيا في المنطقة فيما يتعلق بتعزيز سياسات المقاومة الثابتة... ولهذا السبب فإن أي هجوم على سوريا سيعد هجوما على إيران وحلفائها»؟ أعتقد أنه لنستطيع فهم هذا التصريح فلا بد من قراءة تصريحات ولايتي بالكامل، وهو ما لم تفعله جل وسائل الإعلام العربية التي نقلت الخبر للأسف، فولايتي يقول أيضا إن أي تغيير سياسي في دمشق يجب أن يتم عن طريق انتخابات جديدة لا عن طريق توجيه خارجي!
ومن هنا نستطيع أن نفهم أن حديث المستشار الإيراني ليس بتهديد بقدر ما أنه تفاوض، وإرسال رسائل للغرب، ومعهم الروس، بأنه من غير المقبول خروج الأسد وفق الطريقة التي يطالب بها الثوار، والمجتمع الدولي، بألا يكون للأسد أي دور في المرحلة الانتقالية المقبلة. فما يريد أن يقوله ولايتي إن خروج الأسد يجب أن يكون وفق ترتيبات لا تمس مصالح إيران وحلفائها، وبالطبع فإن المطالبة بانتخابات بوجود الأسد تعني أنه سيكون بمقدور طاغية دمشق، وبالطبع إيران، ضمان تثبيت مصالحهم في المرحلة المقبلة. أما قول ولايتي إن الهجوم على سوريا هو هجوم على إيران وحلفائها، فما هو إلا بمثابة رسالة واضحة أن طهران وأتباعها لن يدعوا مرحلة ما بعد الأسد تمر بسلام طالما ليس لهم يد فيها، وبالطبع يتضح ذلك أكثر في حال تذكرنا أن إيران تمر الآن بمفاوضات وشد وجذب مع المجتمع الدولي حول الملف النووي، ولذا فإن طهران تحاول الآن تعزيز موقفها التفاوضي.
هذه هي القراءة الواقعية لتصريحات ولايتي، وخصوصا أن إيران لا تتوانى عن دعم الأسد، منذ اندلاع الثورة التي تكلف الطاغية مليار دولار شهريا تقوم طهران بدفعها، هذا فضلا عن إمداده بالسلاح والرجال، فما الذي تغير اليوم لتصعّد إيران؟ بالطبع لا شيء إلا أن الأسد يترنح والمعارك تدور بمحيط العاصمة، والثوار يقومون بتحقيق انتصارات حقيقية على الأرض رغم نقص التسليح والتمويل.
وعليه، فإن الواضح الآن أن إيران استشعرت خطورة «المخاض» الروسي حول الأزمة السورية، وطبيعة مجريات الأمور على الأرض، وبدء أوباما لولايته الثانية رسميا، والموقف العربي المتصاعد بالمطالبة بضرورة رحيل الأسد، مما دفع إيران لتذكير الآخرين بأنه يجب أن يكون لها دور في مرحلة ما بعد الأسد. هذه هي الحكاية بكل بساطة.
نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"