طارق الحميد
هناك جدل وحملة غير مبررة في السعودية، وتحديدا في وسائل التواصل الاجتماعي ومن شخصيات معروفة، ضد عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبد الله بن منيع بسبب فتوى نسبت له تقول إن ما يحدث بسوريا حرب أهلية، ولا يجوز الجهاد هناك إلا بموافقة ولي الأمر، والحقيقة من الصعب فهم هذه الحملة، ومبرراتها!
الشيخ نفى ما نسب له، رغم أن هناك تسجيلا للمقابلة الصحافية، لكن السؤال هنا هو: ولماذا هذه الضجة أصلا؟ ولماذا هذا التطاول على الشيخ، ولو قال ما نسب إليه؟ فالقول إن ما يحدث بسوريا حرب أهلية أمر لا يقدم ولا يؤخر في الثورة التي تعتبر الثورة الحقيقية في منطقتنا، وواهمٌ من يعتقد أن فتوى، أو فتاوى، قد حركت الثورة، فالثورات لا تقع إلا إذا فُقد الأمل، وفي سوريا فُقد الأمل، بل والكرامة. الأمم المتحدة، مثلا، تتحدث عن حرب أهلية بسوريا، ومثلها أميركا، وإعلامها، لكن ذلك لم يؤثر على الثورة بشيء، ولم يثنِ الثوار عن مواصلة ثورتهم على الطاغية الأسد.
أم أن الهجوم على الشيخ له أسباب أخرى؟ بكل تأكيد، خصوصا أنه مما نُسب للشيخ المنيع رفضه ذهاب السعوديين للقتال بسوريا تحت اسم «الجهاد»، وإنكار ذلك على الشيخ تحديدا فيه نفاق، وتجنٍ، خصوصا أن كثيرا ممن انتقدوه على ذلك القول يتحججون عندما تتم مناقشتهم في قضايا الإرهاب والإرهابيين بالقول: «أوليست الحكومة السعودية، وبتنسيق مع الأميركيين، قامت بإرسال السعوديين للجهاد بأفغانستان»؟ فلماذا يريد هؤلاء تكرار الخطأ اليوم، ويبررون هم إرسال سعوديين وعرب للقتال بسوريا؟ لا تفسير لذلك إلا أنه النفاق، خصوصا أن جل من تهجموا على الشيخ المنيع هم أنفسهم من دافعوا عن «تاريخ» سلمان العودة، وخطابه التحريضي الأخير ضد السعودية!
وبالطبع فلا مجال هنا للمزايدة، خصوصا أنه طالما اُنتقد كاتب هذه السطور على موقفه من النظام الأسدي، ومنذ ثمانية أعوام، وتحديدا بعد اغتيال الحريري، ومن جل المتباكين على سوريا اليوم بالسعودية، وبعض العرب، ولذا فإن الثورة السورية ليست بحاجة لمقاتلين عرب، ولا لفتاوى، بل هي بحاجة للتسليح، والدعم السياسي، والدبلوماسي، والإغاثي، ويجب ألا تكون الثورة ثورة إقصاء، بل ثورة اقتلاع لحاكم طاغية أجرم بحق سوريا، والسوريين، والمنطقة كلها. كما يجب ألا تكون الثورة حلبة صراع طائفي.
ولذا فإن الحملة الظالمة التي يتعرض لها الشيخ المنيع مرفوضة، وغير أخلاقية، ويجب ألا تمر هذه الحملات التي تنطوي على خطاب كراهية وقذف وطعن دون وقفة قانونية، خصوصا أن كثيرا من المشاركين فيها هم شخصيات اعتبارية، وما يرتكبونه يجعلهم عرضة للمحاسبة القانونية، وفي أي مكان في العالم، فلا بد من وقفة قانونية ضد هذا الانفلات والتجني المقصود، والمخطط له، أما سوريا فأهلها كفيلون بها لأن ثورتهم ثورة حق، ولا أحد يريد أن يرى سوريا ما بعد الأسد مرتعا للإرهاب والتطرف.
نقلاً عن جريدة "الشرق الاوسط" .