طارق الحميد
إذا كان هناك من درس يجب تعلمه بعد تفجيرات بوسطن الإرهابية، فهو أننا دخلنا مرحلة الإرهاب الجديد، أو الإرهاب الإلكتروني، الذي ستتضح صورته أكثر مع سير التحقيقات مع الإرهابي الذي تم إلقاء القبض عليه.
فتفجيرات ماراثون بوسطن التي راح ضحيتها ثلاثة أشخاص، وقرابة المائة والسبعين جريحا، وأدت لاستنفار أمني أميركي غير مسبوق، وحبست أنفاس العالم معها، وقام بها مسلمان شقيقان من أصل شيشاني، أحدهما عمره ستة وعشرين عاما وهو الذي قتل، والآخر عمره تسعة عشر عاما وقدم لأميركا وعمره تسعة أعوام، وهو في يد العدالة، فقد قادت تلك التفجيرات لتركيز النقاش الآن على أمرين في التعامل مع الإرهاب: الأول تقليدي، وهو تأثير الأخ الأكبر على الأصغر، خصوصا أن الأول جاء إلى أميركا في سن العشرين. والأمر الثاني هو دور الإعلام الجديد، أو وسائل التواصل الاجتماعي، في تشكيل هوية الإرهابي ودفعه للتطرف.
الإرهاب الجديد، أو الإلكتروني، هو الآن محور التركيز الإعلامي الأميركي، والسؤال منطقي ومشروع، فكيف لشاب جاء إلى أميركا في سن التاسعة، أي الأخ الأصغر، ودرس واندمج في مجتمعها، أن يصبح إرهابيا بعد عشر سنوات، وهو الذي لم يغادر أميركا، ولم ينخرط في معسكرات تدريب بالخارج، حسب المعلن؟ فهذا أمر محير للجميع.
في السابق كان يسهل رصد دوافع الإرهابيين، وأسباب تطرفهم، وذلك من خلال تتبع الجماعات التي ينتمون لها، ومحطات سفرهم، لكن أن يتطرف شاب يافع اندمج في المجتمع الأميركي اندماجا ملحوظا، ولم يسافر لمناطق النزاع فهذا أمر محير فعلا! بل مخيف لكل من لديه أبناء.
اليوم، ومع وسائل التواصل الاجتماعي؛ «تويتر» و«يوتيوب»، وخلافهما، بات من السهل أن يتطرف الشاب وهو في غرفة نومه، أو من خلال هاتفه الجوال، وليس منزله، وبعيدا عن أعين أهله وأصدقائه، وحتى مدرسيه، وهذا ما يبدو واضحا في قصة الشابين الشيشانيين، وتحديدا الأصغر سنا، ولذا فإن التركيز الآن في أميركا منصبٌّ على الإرهاب الجديد، أو الإلكتروني، ولا نعلم ما إذا كان سيؤدي إلى تشريعات وتنظيمات جديدة، لكن اللافت هنا أن ما فوجئ به الأميركيون الآن وبعد تفجيرات بوسطن هو ما تم التحذير منه في شهر مارس (آذار) الماضي في مجلس وزراء الداخلية العرب الذي عقد بالرياض، حيث تم التحذير فيه من أن «انتشار الفكر المنحرف المتشدد والفتاوى الضالة، بفعل الانفلات الإعلامي وازدهار وسائل الاتصال الجماهيري، كان له انعكاس كبير على ظاهرة الإرهاب، بحيث شهدنا زيادة ملحوظة في الأعمال الإرهابية والاغتيالات السياسية والنزاعات الطائفية»، بحسب نص خطاب الأمين العام للمجلس الدكتور محمد كومان.
وعليه فإن كل ذلك يقول لنا إن أهم خطوة في محاربة الإرهاب هي المواجهة الفكرية، وليس الأمنية وحسب، فالإرهاب عارض لمرض وليس هو المرض نفسه، ولذا فإن درس بوسطن مهم للجميع، وليس لأميركا وحسب، وخصوصا منطقتنا حيث ينتشر الخطاب المتطرف، وخطاب بث الكراهية بلا حسيب أو رقيب، للأسف.
نقلاً عن جريدة " الشرق الأوسط "