طارق الحميد
يبدو أن الحملة الدعائية الأسدية الساعية لترسيخ فكرة أن بديل الأسد هو «القاعدة» والإسلاميون في واشنطن باتت تأتي أكلها، ليس بسبب مصداقيتها، وإنما لأنها وافقت هوى لدى الإدارة الأميركية الباحثة عن أعذار لتبرير عدم تدخلها، رغم تجاوز الأسد للخطوط الحمراء التي وضعها أوباما، وهي عدم استخدام الأسلحة الكيماوية التي استخدمها الأسد بالفعل.
المحير أن واشنطن تريد ضمان نظام علماني بسوريا ليخلف الأسد وذلك لضمان حقوق الأقليات، وهناك أعذار أخرى، لكن الإدارة الأميركية الحالية هي من دعم الإخوان المسلمين في مصر، وتجاهلت حقوق الأقباط! وهي نفس الإدارة التي تريد نظاما علمانيا سوريا رغم دعمها لمن يدمر ويهمش العلمانية في تونس! وهي نفس الإدارة التي أقرت لـ«الإخوان» بالسلطة، وساهمت وتساهم بدعمهم رغم كل ما يفعلونه الآن، فكيف يمكن أن نفهم ذلك؟ وليس القصد هنا الدفاع عن المتطرفين أو الإسلاميين، فلا مجال للمزايدة، لكنها أسئلة مستحقة على إدارة أوباما الإجابة عنها، فما ندافع عنه هو حق تقرير المصير القائم على احترام الاتفاقيات، والدساتير، والأنظمة، وعدم الإقصاء، أو التطرف، وكذلك احترام قواعد اللعبة، وليس كما يفعل «إخوان» مصر اليوم!
والقصة لا تقف هنا، بل إن واشنطن شاركت في حرب الناتو بليبيا، ورغم وجود شبهة «القاعدة» القوية، حيث كان هناك مقاتلون وقيادات ليبية سبق لهم القتال مع متطرفين، وكان بعضهم في سجون القذافي، فلماذا كان الأمر مقبولا في ليبيا، وصار ممنوعا الآن في سوريا؟ علما بأن جرائم الأسد تدفع الحليم للتطرف، خصوصا مع تخاذل المجتمع الدولي، وتحديدا إدارة أوباما التي عجزت عن إنقاذ السوريين مما من شأنه دفعهم أكثر للارتماء حتى بأحضان الشيطان للتخلص من جرائم الأسد؟ فخطأ أوباما القاتل هو أن تردده في سوريا كان أحد أهم أسباب انضمام المتطرفين للثوار، حيث انعدام الحسم والدعم، بينما تقوم إيران وحزب الله بدعم الأسد بالمال والرجال والأسلحة، فهل كان الأميركيون ينتظرون، مثلا، أن يسلم السوريون للأسد؟ بالطبع لا، بل ستتأجج الطائفية، ويرتفع منسوب التطرف!
والخطأ الآخر القاتل لأوباما أن دعمه لمشروع «الإخوان» في مصر وتونس، خصوصا مع التأثير التركي الإخواني عليه، وهذه قصة أخرى، جعل أحلام الإسلاميين تكبر بالمنطقة، حيث أصبحوا، أي الإسلاميون، يلتحفون الآن بشعارات الديمقراطية التي كانوا يكفرونها فقط لاستغلال سذاجة واشنطن التي لم تمكن «الإخوان» وحسب، بل مكنت نوري المالكي، المحسوب على حزب الدعوة الإسلامي الشيعي، من السيطرة على العراق، فكيف نفسر تخوف أوباما من إسلاميي سوريا اليوم؟
ملخص القول: إن التردد الأميركي يعقِّد الأمور أكثر في سوريا، والمنطقة كلها، فكل ساعة تمضي مع تردد أوباما تعني أن القادم أسوأ على المجتمع الدولي، وسوريا والسوريين، وما يفعله الرئيس أوباما يوجب القول لعقلاء المنطقة إن عليهم أن يتذكروا دائما، وكلما سمعوا الإدارة الأميركية الحالية تردد عبارات الصداقة والتحالف، المثل الأميركي الشهير: «مع أصدقاء مثل هؤلاء من بحاجة إلى أعداء؟»!
نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"