طارق الحميد
ذهب رئيس وزراء تركيا بعيدا في انتقاداته لمصر حيث لم يكتفِ بالموقف السياسي الرافض للإطاحة بالإخوان المسلمين، بل قام بإطلاق تصريحات مسيئة تطاول فيها على الأزهر الشريف، وأمامه الشيخ أحمد الطيب، ولا يمكن النظر إلى تصريحات أردوغان هذه على أنها موقف سياسي وحسب، بل هي أكبر من ذلك.
تعريض أردوغان بالأزهر لا يمكن فصله عن النهج الإخواني ككل والساعي للتشكيك بالمؤسسات والقيادات، فالمنهج الإخواني منذ تأسيسه هو هدم المؤسسات السياسية بهدف نقض الاستقرار السياسي، وهدم المؤسسات الدينية بهدف نقض الشرعية الدينية للدولة. فعلها الإخوان في مصر، حتى حين كانوا في سدة الحكم، حيث سعوا لتشويه سمعة القضاء والجيش والإعلام، وبالطبع الأزهر وقياداته، وكان الهدف واضحا، وهو تعبئة الرأي العام لتتسنى للإخوان السيطرة على مفاصل المجتمع، من خلال السيطرة على مؤسساته. ولم يكتفِ الإخوان بفعل ذلك في مصر وحسب، بل في كل المنطقة، حيث يتم تصوير الأنظمة المعتدلة المخالفة لهم بالعمالة للغرب، علما بأن الإخوان هم من يستعين بالغرب من أجل ضمان حكمهم!
وفعل الإخوان نفس الأمر تجاه الجماعات الإسلامية الأخرى التي انساقت خلفهم في قصور سياسي واضح، حيث قام الإخوان باستخدام تلك الجماعات، المسالمة منها والإرهابية، للقول بأن الإخوان هم المعتدلون، والجماعات الأخرى هي المتطرفة، حدث ذلك في مصر، ويجب هنا تأمل ما يحدث من إرهاب في سيناء، مع تذكر عدد من أطلق سراحهم بعفو رئاسي من الإرهابيين، ويحدث ذلك أيضا في تونس اليوم من قبل حزب النهضة الإخواني الحاكم. يفعل الإخوان كل ذلك لتشويه سمعة مخالفيهم، وبالتالي تمكينهم، أي الإخوان، من فرض رؤيتهم ورجالهم على المؤسسات، مستغلين شعار «الإسلام هو الحل»!
ولذا فإن تطاول أردوغان على الأزهر، وشيخه، يأتي في إطار هذا المنهج الساعي لتشويه كل مخالف للإخوان، فعندما لمس أردوغان أن انتقاداته لم تؤثر في الجيش المصري سعى للتطاول على الأزهر وشيخه، حيث استوعب أردوغان أن مصر الجديدة تسعى، وهذا هو الصحيح، لإعلاء مكانة الأزهر الذي سعى الإخوان لتهميشه، خصوصا بعد أن قال الفريق أول عبد الفتاح السيسي إن الأزهر «هو المرجعية الدينية في مصر، ولن يتم مجابهة الإرهاب والتطرف إلا عندما يوضع الأزهر فوق رؤوسنا»، قاصدا التقدير والاحترام. هنا تنبه أردوغان للمزاحمة الدينية والسياسية في مصر، دينية تصدى لها الأزهر، وسياسية نظمها الجيش، ولذا سعى أردوغان لتشويه سمعة الأزهر، بعد أن ثبت صمود المؤسسة العسكرية.
وعليه فإن تطاول أردوغان على الأزهر هو من صميم المنهج الإخواني القاضي بتقويض الشرعية الدينية والسياسية، سواء بمصر أو غيرها، ولذا نرى، مثلا، الحركيين في السعودية لا يفوتون شاردة أو واردة إلا ويتعرضون فيها لهيئة كبار العلماء. خلاصة القول هي أن تطاول أردوغان على الأزهر وشيخه ليس شطحة من شطحاته المعهودة، بل إنها من صميم مخطط الإخوان الساعي لتدمير مؤسساتنا، وتشويه سمعتها.
نقلاً عن جريدة الشرق الأوسط