طارق الحميد
حذر وزير الخارجية الأميركي نظيره الروسي بأن خيار الضربة العسكرية ضد بشار الأسد لا يزال قائما، وأن المبادرة الروسية لنزع أسلحة الأسد الكيماوية يجب أن تكون جادة، مشددا على أن «هذه ليست لعبة»! فهل صحيح أن المبادرة الروسية، وموافقة الأسد عليها، ليست لعبة؟
أعتقد أنها لعبة، وخصوصا عندما يعلن الرئيس الإيراني روحاني، أمس، تأييد إيران «المبادرة الروسية، وقرار سوريا الانضمام للمعاهدة الخاصة بالأسلحة الكيماوية»! فمجرد إعلان إيران تأييد المبادرة يجعل المراقب أكثر حذرا، فهل وافقت إيران لأنها رأت بتلك المبادرة سلامة الأسد من الضربة، وبالتالي إطالة عمر نظامه؟ وما يزيد الشكوك أيضا حول جدية المبادرة الروسية هو كشف صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية أن وحدة خاصة تابعة للأسد تدير برنامج الأسلحة الكيماوية تقوم بتوزيع تلك الأسلحة على عشرات المواقع بسوريا لتفادي رصدها. فهل يمكن القول بعد كل ذلك إننا لسنا أمام لعبة؟
بكل تأكيد هي «لعبة»، طالما أن هدف المفاوضات الجارية الاكتفاء بنزع أسلحة الأسد الكيماوية وتجاهل جرائمه، وتجاهل الحل السياسي الشامل، الذي يجب أن ينتهي برحيل الأسد، لا الابتهاج بانضمامه لمعاهدة نزع الأسلحة؛ فالمبادرة الروسية، وبشكلها المطروح، تعني غرق المجتمع الدولي في بحر من التفاصيل، مما يعني بقاء الأسد لفترة أطول، وهو ما يهدد سوريا، والمنطقة ككل. والأمر لا يقف عند هذا الحد، بل إن الشك مبرر، ويتزايد، خصوصا مع ملاحظة أنه بينما يقوم وزيرا خارجية أميركا وروسيا بالتفاوض في جنيف، فإن هناك حملة علاقات عامة ضخمة ومنظمة تجري في أميركا، هدفها إضعاف موقف الرئيس أوباما الداخلي، والحيلولة دون حصوله على تفويض من الكونغرس للقيام بضربة عسكرية ضد الأسد! ويشارك في تلك الحملة الأسد نفسه، من خلال المقابلة التلفزيونية الأخيرة مع محطة أميركية، والرئيس الروسي الذي كتب مقالا في صحيفة «نيويورك تايمز» حاضر فيه الأميركيين عن الديمقراطية، والقانون الدولي! كما يشارك في هذه الحملة أقرباء للأسد كانوا يدعون معارضته!
وهدف تلك الحملة، وملخصها، أن نصف المعارضة من تنظيم القاعدة، وأن المعارضة أسوأ من الأسد، ولا ينبغي دعمهم بالأسلحة، وأنه يجب عدم السماح بتوجيه ضربة عسكرية للأسد تقول الحملة إن من شأنها تقوية المعارضة، وفجأة بتنا أمام سيل من الصور، والأفلام التي يراد منها توثيق «وحشية» المعارضة، فيما يبدو أنه رد على الأشرطة الخاصة بمجزرة الغوطة الكيماوية التي طالب الرئيس أوباما الأميركيين في خطابه الأخير بضرورة مشاهدتها، لمعرفة مدى وحشية جرائم الأسد!
وعليه، فإذا كان الروس والأسد يلعبون في أميركا نفسها، ويحاولون تشتيت الرأي العام فيها، فكيف لا يلعبون في سوريا؟! وإذا كانت إيران سارعت لتأييد المبادرة الروسية القاضية فقط بنزع أسلحة الأسد الكيماوية، مع إغفال الحل السياسي الشامل، فكيف لا يقال إنها لعبة؟! بل هي لعبة بكل امتياز.
نقلاً عن "الشرق الأوسط"