طارق الحميد
أخيرا كشرت مصر عن أنيابها واتخذت موقفا حاسما ضد الحكومة التركية التي تمادت مطولا في الشأن الداخلي المصري، وذلك من خلال طرد السفير التركي من القاهرة، واستدعاء السفير المصري من أنقرة، وتخفيض العلاقات بين البلدين إلى مستوى القائم بالأعمال.
وبالطبع، فإن توتر العلاقات بين مصر وتركيا ليس بالأمر المرغوب، ولا هو بالجيد لمنطقتنا المتوترة أساسا في كل اتجاه، لكن لا شك أن القرار المصري غير مستغرب، خصوصا أن المواقف التركية المعادية لمصر ما بعد 30 يونيو (حزيران)، والداعمة للإخوان المسلمين، قد تجاوزت كل الحدود، وعلى وجه التحديد تصريحات ومواقف رئيس الوزراء التركي السيد رجب طيب أردوغان الذي لم يوقر أحدا في مصر، حتى شيخ الأزهر! والقصة ليست قصة تصريحات هنا أو هناك، بل هي أخطر من ذلك بكثير، ولذا فقد كان لافتا ومهما ما ورد في بيان القرار المصري حول طرد السفير التركي، حيث أشار البيان إلى أن القيادة التركية «أمعنت في مواقفها غير المقبولة وغير المبررة بمحاولة تأليب المجتمع الدولي ضد المصالح المصرية»!
وهذا الاتهام هو أخطر ما فعلته الحكومة التركية «الأردوغانية» ضد مصر ما بعد 30 يونيو، وقد سمعت منذ أشهر من مسؤولين عرب على اطلاع بالملف المصري أن حجم التحركات التركية المؤلبة ضد مصر في المجتمع الدولي كبيرة ومؤثرة على الجهود المبذولة لتجنيب مصر العقوبات الدولية الفردية، أو الجماعية. ومن المعروف طبعا أن لدى إخوان تركيا تحركات واسعة في واشنطن، مما سهل فتح الأبواب هناك لإخوان مصر، وليس بعد الإطاحة بمرسي بل قبل رحيل نظام مبارك بفترة طويلة، خصوصا أن الرئيس أوباما كان يرى في النموذج التركي، أو قل «الأردوغاني»، النموذج المثالي للمنطقة، أي قبول الإسلاميين العرب بالديمقراطية، والعمل السياسي السلمي، على غرار ما فعله إخوان تركيا. وفي ذلك بالطبع تبسيط، وتجاهل لمعطيات مختلفة ضمنت عدم انحراف إخوان تركيا كما فعل إخوان مصر، وأهم تلك الضمانات التركية بالطبع هو الجيش التركي الذي يخشاه أردوغان صاحب الموقف الحاد جدا ضد الجيش المصري، وذلك خشية أن يكون القبول الدولي بما فعله الجيش المصري بمرسي محفزا للجيش التركي ضد أردوغان، خصوصا بعد مظاهرات «تقسيم» في تركيا.
وبالطبع، فإن طرد السفير التركي من مصر ليس بالموقف السياسي فحسب، بل هو صفعة أيضا للإخوان المسلمين في مصر، وإعلان واضح عن قوة النظام المصري الجديد، خصوصا أن السفارة التركية، ومنذ رحيل مبارك، كان لها تأثير مهم وكبير يفوق حتى تأثير السفارة الأميركية. ومن ثم، فإن طرد السفير التركي من مصر هو رسالة مهمة للسيد أردوغان، مفادها أن عهد الإخوان قد انتهى في مصر، والمنطقة، وأن النظام المصري الجديد بات قويا. وعليه، فإن السؤال الآن هو: هل يعتبر البعض من مناصري الإخوان بعد طرد السفير التركي من القاهرة، أم أن الدور سيكون قريبا على سفير آخر؟
"الشرق الاوسط"