طارق الحميد
صحيح أن الحيرة في كيفية إتلاف ترسانة نظام بشار الأسد الكيماوية هي جزء من لعبة الوقت التي يراهن عليها نظام الأسد، وحلفاؤه، وكل من يريد التلكؤ في معالجة الأزمة السورية، لكنها أيضا، أي عملية إزالة ترسانة الأسد الكيماوية، رسالة تذكير عملية لخطورة وصعوبة القادم في سوريا والمنطقة.
اليوم أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقوم بإتلاف مخزون الأسد الكيماوي في البحر، وعبر إحدى سفنها، وذلك بعد رفض جل الدول الغربية إتلاف تلك الأسلحة على أراضيها، وجاء إعلان واشنطن عن تكفلها بإتلاف الأسلحة الكيماوية مع التذكير بصعوبة ذلك، خصوصا أن عملية نقل الأسلحة الكيماوية ستكون خطرة، سواء من الداخل السوري إلى الخارج، أو خطورتها على البيئة، وأن عملية الإتلاف هذه تتطلب جهدا، وتدريبا، مما يعني مزيدا من الوقت! حسنا هذا كله فقط لإزالة أسلحة الأسد الكيماوية، وبموافقة الأسد نفسه، وبدعم دولي، إذن ماذا عن معالجة آثار جرائم الأسد الأخرى، الآن، وبعد رحيل الأسد نفسه؟
ماذا عن معالجة الدمار الذي حل في سوريا؟ وماذا عن الإرهاب؟ وماذا عن العنف عموما؟ وماذا عن ملايين المشردين السوريين في الداخل والخارج؟ ماذا عن مستقبل أطفال سوريا، وما حل في حق نسائهم، وشيوخهم؟ وماذا عن النسيج السوري المدمر تماما بفعل جرائم الأسد؟ من سيعالج كل ذلك؟ وكيف؟ وكم من الوقت سيستغرق كل ذلك طالما أن إتلاف الترسانة الكيماوية للأسد تكلفت كل هذا الوقت، والجهد؟ هذه ليست أسئلة عاطفية، خصوصا بالنسبة للساسة البراغماتيين، في منطقتنا أو الغرب، بل هي أسئلة ملحة، لأن كل هذه التساؤلات لا تتعلق فقط بمصير سوريا والسوريين؛ فتأثير ما حدث ويحدث منعكس على كل المنطقة، وكل جيران سوريا، خصوصا ونحن أمام منسوب طائفي مرتفع في منطقتنا وبشكل غير مسبوق، مما يهدد بموجة عنف، وتشرذم، مقبلة ستشكل غذاء للتطرف والإرهاب، مما سيشكل تهديدا للجميع في المنطقة.
الإشكالية الخطيرة في الأزمة السورية اليوم أنه كلما تأخر الحل تزايدت صعوبة معالجة تبعات جرائم الأسد ليس على سوريا والسوريين، بل على المنطقة ككل، خصوصا أن المؤشرات كلها تشير إلى تآكل نظام الأسد، ومهما قيل ويقال، من بعض أتباعه، أو حلفائه، إلا أن الواقع يقول إن كل شيء ينهار في سوريا، وعليه فإذا كان المجتمع الدولي، وتحديدا الأميركيين، يشعرون بالحيرة في كيفية التعامل مع ترسانة الأسد الكيماوية، فمن باب أولى أن يفكر الجميع الآن في تداعيات ما يحدث في سوريا اليوم، وصعوبة معالجته غدا، ومدى ضرره على المنطقة ككل، مما يقول لنا إن كل يوم يمضي بلا حلول حقيقية هو أزمة مقبلة أشد تعقيدا وخطرا على الجميع. وهذا ما يجب التنبه له جيدا الآن، فانهيار كل شيء في سوريا لن يكون تأثيره سهلا لا على لبنان ولا العراق، ولا الأردن، وآخرين بالطبع، وكل المنطقة، فسوريا ليست أفغانستان، بل ستكون أسوأ بكثير.
"الشرق الأوسط"