طارق الحميد
إذا كان من شيء قد أثبتته الجلسة الافتتاحية لمؤتمر «جنيف 2» فهو أن منطقتنا الآن تشهد لحظة أفول آخر الأنظمة العربية غير المحترمة وهو نظام بشار الأسد الذي لم يتحدث وفده في جنيف بلغة دبلوماسية، ولم يقدم منطق دولة، بل عنجهية وشتائم وغرورا متناهيا، رغم كل هذا الدم السوري.
ما سمعناه، وسمعه العالم، من وليد المعلم، وزير خارجية الأسد كان ردحا، وتجنيا، وليس لغة دبلوماسية، بل تزويرا للحقائق، واستمرارا للخطاب الفاسد الذي عرفته منطقتنا طوال العقود الأربعة الماضية، مثله مثل لغة نظام صدام حسين ورموزه، ومثله مثل نظام معمر القذافي ورجاله، وبالطبع فإن ما قدمه المعلم هو لسان حال رجال إيران بالمنطقة سواء حسن نصر الله، أو وزير خارجية لبنان الذي لا يختلف عن أي متحدث باسم حزب الله. ما سمعناه في «جنيف 2» لا يقول لنا إننا أمام حل سياسي، بل يقول لنا إننا أمام آخر الأنظمة العربية غير المحترمة؛ ففي ذلك المؤتمر زاد وليد المعلم من عزلة معلمه الأسد ونظامه، حيث أظهر للعالم بأن نظام الأسد ككل لا يرتقي لحكم دولة مثل سوريا، وإنما يجب أن يكونوا في قفص محكمة العدل الدولية، ولم يفعل ذلك وليد المعلم وحده، بل وكل الوفد الأسدي!
في ذلك المؤتمر أدان المعلم الروس، وربما نفرهم من الظهور علنا كحلفاء للأسد لحظتها، كما أدان المعلم إيران، حيث رأى السوريون والعرب النظام الذي تدعمه إيران وتؤيده بالرجال والسلاح ضد العزل من السوريين! وبذلك المؤتمر الدولي عرفت المنطقة وأهلها أي مستوى من الأنظمة، ذاك الذي تدعمه طهران، التي ذهب رئيسها «المسالم» روحاني يوزع التهم ضد السعودية في دافوس مثله مثل المعلم الذي كان يمثل أحد آخر الأنظمة غير المحترمة في منطقتنا بجنيف، والذي حاول أن يظهر أنه ند للمجتمع الدولي رغم أن أركان هذا النظام الأسدي يغازلون أميركا سرا، وكما كشفت واشنطن مؤخرا، مثل ما أنهم، أي أعضاء وفد الأسد، يغازلون بعضا من الدول العربية بالسر، وخصوصا بعضا من دول الخليج العربي التي يهاجمونها الآن، وهو ما فعله سابقا أركان نظام صدام حسين، وأطولهم لسانا، ثم انتهوا لاجئين لدى بعض من الدول التي يتهمونها بالرجعية، تماما كما فعل المعلم في جنيف!
ولذا فإن أهم ميزة لمؤتمر «جنيف 2» للآن هو أن المجتمع الدولي المتقاعس قد تأكد أنه يتعامل مع نظام دموي إجرامي لا يمكن الصبر عليه، خصوصا أنه يلعب بورقة الإرهاب الذي يموله ويرعاه أصلا، ولذا فقد تصدى وزراء العواصم الغربية لوفد الأسد، مثلما بات ملحوظا مؤخرا التغير في التغطية الإعلامية الغربية تجاه سوريا، حيث بات الإعلام الغربي الآن يسلط الضوء على علاقة «القاعدة» بالأسد. وعليه فإذا كان «جنيف 2» يفتقر للقرارات الحاسمة فإن أفضل ما فعله للآن أنه عرى نظام الأسد دوليا، وأثبت أنه آخر الأنظمة العربية غير المحترمة في منطقتنا.
نقلاً عن "الشرق الأوسط"