طارق الحميد
أقل ما يمكن قوله عن جولة المحادثات الثانية في جنيف بين المعارضة السورية والنظام، إنها جولة جديدة من مراوغات الأسد الذي لم يلتزم بشيء، ومنذ اندلاع الثورة، وحتى الآن، فكل ما يفعله النظام الأسدي هو شراء المزيد من الوقت، وتعقيد الأمور أكثر.
إلى اللحظة، ورغم كل التصريحات الدبلوماسية، فإن آلة القتل الأسدية مستمرة، وكذلك معاناة السوريين؛ فلا البراميل الحارقة توقفت، ولا الحصار والتجويع توقفا، كما لم يسلم الأسد ترسانته الكيماوية.. كل ما يفعله الأسد هو المراوغة ومن ملف إلى آخر. والحق أن المجتمع الدولي، وقبلهم الروس، يشاركون الأسد في هذه المراوغة، والواضح، وكما قيل مرات عدة من قبل، أن الجميع، وليس الأسد وحده، يحاولون شراء الوقت من أجل الوصول إلى موعد استحقاق الانتخابات الرئاسية في سوريا ليبدأ التفاوض الجدي على رحيل الأسد، وليس سقوط النظام، ويبدو أنه حتى الوفد الممثل للأسد يسعون في قرارة أنفسهم لذلك، خصوصا أنهم لا يحملون صلاحيات تذكر، ولكنهم قد يفكرون في ذلك، أي شراء الوقت حتى موعد الانتخابات، لضمان سلامتهم وسلامة عوائلهم، لكن هل انتظار موعد الانتخابات الرئاسية في سوريا عملية مضمونة العواقب؟
الإجابة: بالطبع لا، فمثلما أن الأسد لم يلتزم بتسليم ترسانته الكيماوية بعذر «الأوضاع الأمنية»، فمن المتوقع أن يعلن الأسد في حال جرى الضغط عليه لعدم الترشح في الانتخابات المقبلة، عن تأجيل الانتخابات الرئاسية وبسبب «الأوضاع الأمنية»، وهذا أمر وارد تماما، بل مرجح، وهنا لا يمكن القول بأن الأسد حينها سيكون قد خاطر بإضعاف موقفه أمام حلفائه، فمن يقتل ما يزيد على 130 ألفا من السوريين، لا يكترث بأي حال من الأحوال بالشرعية، أو القوانين، ولا يشعر بالطبع بحرج داخلي أو خارجي، فآخر ما يفكر فيه القاتل هو القانون، وهذا حال الأسد اليوم. ولذا، فإن كل ما يفعله الأسد هو عملية شراء مزيد من الوقت على أمل الانتصار عسكريا، أو التسبب في انهيار الائتلاف السوري على أثر فشل المفاوضات الجارية في جنيف.
ومن هنا، فإن كل ما يحدث في مفاوضات جنيف ما هو إلا مراوغة أسدية، ومفاوضات محكوم عليها بالفشل، مما يقول لنا إن الانتظار الدولي، وحالة اللامبالاة هذه من شأنها أن تقود الأزمة السورية إلى تعقيدات أكثر، فالانتظار إلى الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة أمر لا يخطط له النظام الأسدي وحده، بل والروس، وإيران، وحزب الله، ولكل طرف منهم دوافع مختلفة، وأدوات مختلفة كذلك، وقد رأينا، مثلا، كيف أن إيران لم تتوان عن استخدام «القاعدة» في سوريا، مما يعني أن القادم أسوأ بكثير في حال قرر المجتمع الدولي الانتظار حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة، والسكوت عن مراوغات الأسد هذه، فحينها، وكما ذكرنا، هناك إيران، وحزب الله، و«القاعدة»، والأسلحة الكيماوية التي بحوزة الأسد، فهل هناك خطر أكبر من هذا؟!