طارق الحميد
سألت مسؤولا خليجيا ذات مرة: كيف تشرحون موقفكم الحازم تجاه «الإخوان المسلمين»، ومنذ وقت مبكر؟ قال: «فور وقوع أحداث سبتمبر (أيلول) الإرهابية بأميركا في عام 2001 كلفنا مراكز دراسات لدراسة جميع الجماعات الإسلامية، واتجاهاتها، وخلفياتها، وكانت النتيجة أن جل الجماعات الإرهابية منبثقة، أو ذات خلفيات إخوانية».
ويقول المسؤول: «من يكلف نفسه عناء البحث فسيتوصل لنفس الخلاصة». وبالطبع فإن هذه هي نفس الخلاصة التي توصل لها المصريون في «سنة الورطة»، أي سنة حكم الرئيس المعزول مرسي، وهي نفس ما توصل له كثر بالمنطقة الآن، بعد كل ما حدث، سواء إرهاب «القاعدة»، أو بعد ما عرف بالربيع العربي. إلا أن المفارقة الآن هي إعلان الحكومة البريطانية قيامها بإعادة تقييم نظرتها وتعاملها مع «الإخوان المسلمين» جراء القلق من أنشطة جماعة الإخوان في بريطانيا، وذلك بعد أن اعتبرتها مصر منظمة إرهابية! فقد أعلن بالأمس المتحدث باسم رئيس وزراء الحكومة البريطانية عن أمر «بإجراء تقييم داخلي لفلسفة (الإخوان المسلمين) وأنشطتهم، ولسياسة الحكومة إزاء هذه المنظمة»، مضيفا أنه «بالنظر إلى ما أعلن من مخاوف بشأن الجماعة وعلاقاتها المفترضة بالتطرف والعنف، رأينا أنه من المشروع ومن الحكمة محاولة أن نفهم بشكل أفضل ما يمثله (الإخوان المسلمون)، وكيف ينوون تحقيق أهدافهم، وانعكاسات ذلك على بريطانيا». واللافت هنا بالطبع أن من سيتولى هذا التحقيق هو السفير البريطاني لدى السعودية جون جنكينز!
وعليه، فهل تحركت بريطانيا الآن فعليا مدفوعة بالقلق الحقيقي من «الإخوان»، جراء إعلانها جماعة إرهابية ليس في مصر وحسب، بل ومحظورة في السعودية؟.. أم أن بريطانيا تحاول امتصاص الغضب المصري - السعودي من مواقف لندن التي كانت داعمة لـ«الإخوان»، أو بلغة دبلوماسية أكثر كانت متفهمة لـ«الإخوان»؟ فهل باتت لندن تشعر فعليا بالقلق من «الإخوان» بالمنطقة، وبالطبع في بريطانيا نفسها، بعد سقوط حكم مرسي، مع الأخذ بالحسبان ما يحدث في تركيا، خصوصا قيام حكومة إردوغان بحجب وسائل التواصل الاجتماعي هناك وغيره؟ والأهم هنا أيضا هو ما الذي سيترتب على إعادة التقييم البريطاني تجاه «الإخوان» من خلال العلاقة مع إردوغان؟ بالطبع هي أسئلة كثيرة، ومنها: هل يعقل أن بريطانيا لا تعرف أساسا من هم «الإخوان»، ولم تكلف نفسها من قبل دراستهم، وجميع الجماعات الإسلامية بالمنطقة لتعرف مدى ارتباطها أصلا بـ«الإخوان»؟
الخلاصة هنا هي أنه ورغم كل ما سبق فيمكن القول بأن هذه الخطوة البريطانية تجاه «الإخوان المسلمين» تعد مشجعة لمصر الآن، ومحيرة لإردوغان، وكذلك البعض في منطقتنا من مناصري «الإخوان»، ولو على حسابات العلاقات الخليجية - الخليجية، لكن هذه الخطوة البريطانية بالطبع تحفز لمزيد من الترقب انتظارا لما قد يصدر من واشنطن حيال «الإخوان»، كما تتطلب ملاحظة دقيقة لجدية الموقف البريطاني، ودوافعه، أما بالنسبة لـ«الإخوان» وحلفائهم بالمنطقة فإن الضرر قد وقع عليهم دون شك!