طارق الحميد
بدأت تعود النغمة الجديدة القديمة في المنطقة حول ضرورة إعطاء الإخوان المسلمين فرصة أخرى، أو عدم وضعهم في الزاوية، فهل هذه دعوات جديرة بالاهتمام، أو منطقية كجزء من عملية مصالحة كبرى في مصر، وغيرها من دول المنطقة؟
الإجابة بالطبع لا، ولعدة أسباب جوهرية، فالقصة ليست قصة حب وكراهية، أو مجرد صراع آيديولوجيات؛ فالإخوان أضاعوا كل الفرص التي لاحت لهم ليس في مصر وحسب، بل وفي كل المنطقة، حيث فشلت تجربة حكمهم في مصر وغزة والسودان، وفشلوا أيضا كمعارضة حيث لم يظهروا حسا وطنيا في تحالفاتهم الخارجية، من إيران وخلافها، ولم يصونوا عهدا مع دول رعتهم يوم كانوا في حالة تشرد، مثلما فعلوا بحق دول الخليج قاطبة، وخصوصا إبان احتلال صدام حسين للكويت، فالتاريخ، البعيد والقريب، يقول لنا إن الإخوان لم يتعلموا من أخطائهم، ولا تجاربهم، فلماذا تعطى لهم فرصة أخرى، بل لماذا على مصر، والمنطقة قاطبة، أن تجرب المجرب؟
المطالبة بإعطاء الإخوان فرصة جديدة ليست بالأمر الجديد حيث طرحها كثر، ومنهم من يفترض فيهم الوعي الكامل بتاريخ الإخوان، لكنهم طالبوا بمنح الإخوان فرصة إبان حكم مرسي لمصر، ورأى الجميع المآل الذي آلت إليه الأمور هناك، كما رأى الجميع كيف استنفر الإخوان أتباعهم في كل المنطقة معتقدين أنها اللحظة التاريخية للانقضاض على المنطقة.. رأينا ذلك في صفوف المعارضة السورية الإخوانية، ورأينا ذلك في الخليج العربي حيث كشر الإخوان عن أنيابهم معتقدين أن الفرصة باتت سانحة لهم للابتزاز والسيطرة على المشهد، والأمر نفسه فعلوه في ليبيا، وغزة، حيث استعجل الإخوان إعلان النصر في كل مكان غير مكترثين بكل ما ارتكبوه من أخطاء سابقة. وعليه فما الذي تغير اليوم ليطالب البعض بضرورة إعطاء الإخوان فرصة جديدة؟
بالطبع لا شيء، خصوصا أن الإخوان لم يقوموا بأي مراجعة حقيقية، ولم ينبذوا العنف الذي يتم في مصر، وكان تقرير الخارجية البريطانية الأخير عن مصر واضحا، حيث اعتبر أن الدولة هناك تواجه الآن إرهابا حقيقيا، وعليه فلا قام الإخوان بمراجعات، ولا أدانوا العنف والإرهاب، ولا اعترفوا بأخطائهم، ولم يصدر عنهم للحظة خطاب عقلاني يقول إن أخطاء قد ارتكبت، بل على العكس لا يزال الإخوان يمعنون في خطاب التخوين، ولا يكلون ولا يملون من استعداء المجتمع الدولي ضد مصر، ويحاولون الاستقواء بالخارج ضد بلادهم، وهو ما كانوا يتهمون به نظام مبارك، والأمر نفسه يفعلونه بحق دول الخليج حيث يحرضون الجميع ضد السعودية والإمارات، مثلا، فلماذا تعطى لـ«الإخوان» فرصة أخرى، بل ولماذا على مصر ومنطقتنا أصلا أن تجرب المجرب؟
أمر لا يستقيم بالطبع، فالأولى هو مطالبة الإخوان المسلمين أنفسهم بضرورة القيام بمراجعة حقيقية لمواقفهم، وخطابهم، مع ضرورة الكف عن العبث بمصر، ودول المنطقة ككل، خصوصا أن الإخوان قد أضاعوا فرصة تاريخية يوم حكموا مصر بكل رعونة وتطرف، وهم من يلام على ضياع تلك الفرصة، ولا أحد آخر.
"الشرق الأوسط"