بقلم - طارق الحميد
هرع البيت الأبيض لتفسير ما قاله الرئيس بايدن حين شن هجوماً عنيفاً على نظيره الروسي بوتين، واصفاً إياه بـ«الجزار»، وقائلاً: «لا يمكن لهذا الرجل البقاء في السلطة».
وفُسر حديث الرئيس بايدن بأنه محاولة لتغيير النظام في روسيا، لكنّ مسؤولاً بالبيت الأبيض سارع موضحاً أن بايدن لم يدعُ لتغيير النظام وإنما «قصد أن بوتين لا يمكن السماح له بالاستقواء على جيرانه». وحتى كتابة المقال أعتقد أن ربكة تدارك هذا التصريح مستمرة. وهذه ليست المرة الأولى التي يتطاول فيها بايدن على زعماء دوليين، أو حتى خصومه ومنافسيه الداخليين، بل معروف عنه زلات اللسان. لكن القصة أكبر، فنحن أمام ظاهرة أميركية لافتة، وهي اعتبار الشتيمة سياسة.
ولم تبدأ هذه الظاهرة بظهور الرئيس ترمب، بل على العكس بدأت منذ وصول الرئيس الأسبق أوباما للرئاسة، لكنه لم يكن يتفوه بها بنفسه وإنما أوكلها لإعلامه، وهذا موضوع يستحق المناقشة في مقال منفصل.
المهم أن الشتيمة السياسية باتت سمة للساسة الأميركيين حديثاً، وهي عمل منافٍ للدبلوماسية، ومناقض للعقلانية السياسية، ولذلك كان محقاً الرئيس الفرنسي حينما سارع للتعليق على تهجم الرئيس بايدن على الرئيس بوتين.
في تصريحات لقناة «فرانس 3» قال الرئيس ماكرون: «لن أستخدم هذا النوع من الكلام لأنني ما زلت على تواصل مع الرئيس بوتين». وسار على خطاه وزير خارجيته جان إيف لودريان، إذ قال الوزير الفرنسي: «يجب أن نواصل الحديث مع الروس، ويجب أن نستمر بالتحدث خصوصاً مع الرئيس بوتين»، داعياً إلى حوار «خالٍ من السذاجة وحازم».
ومن السذاجة السياسية أن يتم التعامل مع دولة نووية مثل روسيا عبر الشتائم، ومن الرئيس الأميركي، بدلاً من فتح قنوات للتفاوض للحد من الأضرار، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وكان يُفترض بالأوروبيين والأميركيين استيعاب أنه من غير الممكن، ولا من الحكمة، محاصرة دولة نووية ووضعها في زاوية من أجل تراجع، أو انسحاب، من دون عقلانية وبراغماتية سياسية لأن العواقب حينها ستكون وخيمة.
ويجب أن يكون هذا درساً بالتعامل مع إيران التي ستصبح فيلاً في غرفة حال حصلت على السلاح النووي، أو سُمح لها بالاقتراب من تحقيق ذلك. حينها ستغزو إيران دول المنطقة، وسنكون أمام نفس المعضلة الروسية، فكيف يمكن حينها ردع نظام نووي إرهابي؟!
وعليه فإن الشتيمة ليست من السياسة في شيء، وعندما تَصدر من رأس الدولة، كحالة الرئيس الأميركي، فهي تعقّد الأمور على الدبلوماسيين، وتجعل من التفاوض أمراً صعباً، وهذا ما فعله الرئيس بايدن مراراً، واضطر إلى أن يبلع كلامه، كما يقول المثل.
فعلها بايدن في أثناء حملته الانتخابية، وبعدها، حيث اضطر إلى بلع كلامه مع مصر خلال حرب غزة، وها هو يبلع كلامه مع السعودية بعد ارتفاع أسعار النفط، وسيبلع كلامه الآن مع الرئيس بوتين الذي وصفه سابقاً بـ«القاتل»، ويستجديه الآن لوقف الحرب في أوكرانيا.
وما دام كثر في الغرب لديهم هوس بمقولات رئيس الوزراء البريطاني الأسبق والأشهر ونستون تشرشل، فمن الجيد أن يتذكروا مقولته الشهيرة: «ليس لدينا أصدقاء دائمون، ولا أعداء دائمون... لدينا فقط مصالح دائمة».