طارق الحميد
نعم هناك كراهية حقيقية للتطرف والإرهاب في المنطقة، لكن هناك أيضا صورة ظالمة ومشوهة رسمت عمدا للثورة السورية وبفعل فاعل، ومنذ اندلاع الثورة التي تستحق حقا وصف ثورة من بين كل ما حدث بمنطقتنا!
فقد ظلمت الثورة السورية مبكرا من قبل بعض المثقفين العرب الذين طغى لديهم الحس الطائفي على البعد الثقافي، وتجلى ذلك في لبنان، وخصوصا بين المسيحيين والشيعة، وإن كان بعضهم قد عدل بعد ذلك نظرا لحجم الجرائم التي ارتكبها بشار الأسد، لكن العالمين ببواطن الأمور يعون جيدا حجم التحرك المسيحي - الشيعي اللبناني في واشنطن أوائل الثورة للقول بأن ما يحدث بسوريا حرب أهلية، وحتى قبل داعش وغيرها! وكان يفترض على من يخشى التطرف السني في المنطقة أن يرفض التطرف الشيعي كذلك، خصوصا أن الميليشيات الشيعية المتطرفة في العراق اليوم تفوق كل تنظيم إرهابي سني بالمنطقة، وبينما تتم مطاردة متطرفي السنة في كل مكان نجد أن متطرفي الشيعة بالعراق، ولبنان، يسرحون ويمرحون، ويحظون برعاية عراقية و«دلال» إيراني، ويكفي فقط تأمل جرائم حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية في سوريا!
كما ظلمت الثورة السورية أيضا من قبل الإخوان المسلمين، ولعدة مرات؛ الأولى منها كانت في مصر فترة حكم الإخوان، حيث كان من مصلحة الإخوان الفرز بين ما هو إخواني، وما هو «وهابي»، وليس سلفيا، لأن الإخوان سلفيون أصلا، ولا يوجد أساس لتسمية «الوهابية» لكن إخوان مصر كانوا يستفيدون من ذلك للقول للغرب، والمصريين، وخصوصا جماعات الشباب التي لا تتمتع بأي عمق سياسي، بأن الإخوان أكثر انفتاحا من السلفيين المحسوبين على «الوهابية»، أي السعودية، وذلك لابتزاز حزب النور من ناحية، ومغازلة الغرب. كما لعب إخوان مصر على ورقة عدم التدخل الأجنبي بسوريا، ويوم لم يكن مطلوبا أصلا، ثم انقلبوا أواخر حكم مرسي داعين للجهاد، وذلك للعب على ورقة القوميين المصريين، ومن أجل عدم إغضاب إيران حينها لأنهم كانوا يستخدمونها كورقة ابتزاز مالي للسعودية!
ولم تقف خطيئة الإخوان عند هذا الحد، والحديث هنا عن الجماعة الأم، حيث قرر الإخوان اختطاف الثورة السورية، وعلى غرار ما فعلوا بمصر وتونس وليبيا، واختاروا لذلك قطر كحليف مالي، وتركيا كحليف سياسي، مما أفزع كثرا، وجاءت كل تلك الأخطاء الحمقاء متزامنة مع انطلاق التحرك الإيراني للترويج لخطورة قصة «التكفيريين» و«المتطرفين» في سوريا. وحدث كل ذلك مع اندفاع سياسي جاهل من قبل بعض دعاة الإخوان في السعودية والخليج للتحريض على الجهاد بسوريا، ووسط تقاعس دولي عن دعم الجيش الحر. وعليه فإن الثورة السورية ثورة صادقة تكالب عليها أسوأ ذئاب المنطقة من إيران والإخوان، والمفروض إنصافها بالدعم وكشف تجار الموت والدمار، وليس طعن السوريين من الخلف، فالأسد ومن يدعمونه هم الوجه الآخر لـ«القاعدة»، بل وأسوأ.
"الشرق الأوسط"