طارق الحميد
عجيب هذا التزوير في التاريخ الذي نحن شهوده، وليس التاريخ البعيد، فالنقاش اليوم يتركز حول الحكم ببراءة الرئيس المصري المتنحي محمد حسني مبارك، وذلك بين «متحسف» على الثورة، وبين من يناقش عدلية القضاء المصري. والحقيقة أن السؤال هو: ولماذا يحاكم مبارك؟
مبارك لم يكن قاتلا، ولا مجرما، كما يقال اليوم، صحيح ارتكب أخطاء، وأبرزها سماحه لأسرته أن تسيطر عليه، وعلى قراره، لكنه كان يعي خطورة ما يحدث بمصر، وخطورة الإخوان المسلمين هناك، إلا أنه لم يكن قادرا على رؤية الطريق الصحيح، أو تصور «المخرج الآمن» الذي طرحه قبل سنوات الأستاذ والصديق عماد الدين أديب. وقد يكون مفهوما تقلب بعض الساسة المصريين ضد مبارك الآن من أجل ضمان البقاء بالحياة السياسية، لكن غير المفهوم هو تقلب من يفترض أن يكونوا أكثر استقلالية، ولعدة أسباب.
أولا، مبارك ليس القذافي المجنون، ولا الأسد المجرم، ولا علي عبد الله صالح المقامر الذي عرض اليمن للخطر، مبارك كان متأخرا في كل قراراته نظرا لوضعه الصحي والنفسي إبان الثورة، ثم اتضحت أمور أخرى بالطبع، وكنت أول من كتبها، ومبارك في السلطة، وتحت عنوان «مصر.. وفارق التوقيت»، وتحدثت فيه عن أن خطأ مبارك أنه يتخذ القرار الجيد، لكن متأخرا 3 أيام. إلا أن الحقائق، التي كنا شهودا عليها، تقول إن مبارك حذر من أن مصر غير مستعدة للديمقراطية، وأن الإخوان المسلمين سوف يختطفون مصر، وذلك في مقابلة مع محطة «سي إن إن»، وهذا ما حدث، بل وانتخب المصريون مرسي! ومبارك هو من تنحى، وبعد أن أصدر المجلس العسكري البيان رقم واحد، وهذا يناقض من يتحدثون عن ما فعله المشير السيسي وقتها، والرئيس الآن، في 30 يونيو 2013، فلماذا لم يكن تدخل العسكر انقلابا على مبارك، رغم البيان رقم واحد، بينما يوصف 25 يناير بالانقلاب؟
ثانيا، وهذا ما كنا شهودا عليه، كان الإخوان المسلمون آخر من انضم للثورة المصرية، وأول من جلس على طاولة التفاوض مع الراحل عمر سليمان، وأعلن موافقة الإخوان حينها على التفاوض عصام العريان! فكيف قبل الإخوان التفاوض مع نظام مبارك، وبعدها اعتبروه مجرما يستحق المحاكمة؟ وثالثا، كيف يمكن الطعن في نزاهة القضاء المصري الذي وقف متحديا لمبارك وقت قوته، بينما كان الإخوان المسلمون يمارسون البرغماتية، ويخوضون الانتخابات البرلمانية، ولا يتعايشون مع نظام مبارك وحسب، بل كانوا معه على الطاولة، وتحتها؟ فكيف يكون القضاء الآن منحازا لمبارك وهو الذي خاض ضده معركة قاسية؟
وعليه فقد قالها مبارك، الذي لم يهرب مثل بن علي، ولم يرتكب حماقات القذافي، ولا جرائم الأسد المتواصلة، والتي يدافع البعض عنها بمصر الآن، ولم يقامر ببلاده كما قامر صالح باليمن، قالها مبارك قبل أيام من تنحيه بأن التاريخ سيحكم بما هو له وما هو عليه، والإشكالية أن البعض، ولدوافع مختلفة، يزور في التاريخ الذي نحن شهوده اليوم، فكيف سيكون الحال بعد أعوام؟