توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ملاذ السلامة... وملاذ النهاية

  مصر اليوم -

ملاذ السلامة وملاذ النهاية

بقلم : فؤاد مطر

ازدهرت في الستينات ظاهرة الملاذ الثوري. وكثيراً ما كنا نلتقي في القاهرة ودمشق وبغداد، إلى جانب لقاءات في بيروت مع شخصيات ثورية دفعت بها العمليات الانقلابية، وبذلك وجد بعض هؤلاء أنَّ الملاذ في الدولة التي على استعداد لقبول هذا السياسي أو ذاك الضابط اللجوء فيها. ولنا على سبيل المثال، كيف أن القاهرة في الزمن الناصري باتت الملاذ لعبد الحميد السراج، الذي كان أحد أركان تجربة الوحدة المصرية – السورية، ثم بات وغيره كثيرون مطاردين من زملائهم الضباط الذين قاموا بحركة الانفصال، مع التشفي من جانب بعض هؤلاء بالسراج، الذي كان في قمة صانعي القرار، ثم بات في السفح مغضوباً عليه، وبرسم الانتقام منه، لكن بموجب صفقة ناصرية - انفصالية جيء بالسراج إلى مصر، وأقام فيها مطمئناً إلى أن سلامته مضمونة. وزيادة في الاهتمام، عيَّنه عبد الناصر مديراً للضمان الاجتماعي، وبقي شاغلاً هذا المنصب إلى أن توفاه الله، ودُفن في القاهرة.

وطوال سنوات إقامته بقي في الحفظ والصون، مع أن الذين يتمنون إلحاق الأذى به، انتقاماً من حالات صعبة أعاشهم فيها عندما كان رمزاً لقساوة التعامل الأمني مع المعارضين، كانوا كثيرين. وما حصل من رعاية للسراج في ملاذه المصري، حصل لسياسيين وعسكريين سوريين كثيرين، ومن دون أن يتمكن خصوم العهد الانفصالي من الانتقام منهم.

وما حدث مع عبد الحميد السراج في ملاذه الناصري، حدث لمؤسس حزب «البعث» ميشال عفلق الذي رحمه نظام الرئيس حافظ الأسد، فلم ينفِّذ فيه حكم الإعدام، فلجأ إلى بيروت حيث أمضى ردحاً من الزمن آمناً مطمئناً محروساً بعناية من رفاقه البعثيين، فيما العيون الأمنية اللبنانية بدورها كانت ساهرة عليه. وبقي عفلق وأفراد عائلته الشخصية في لبنان إلى أن اشتد صراع البعث السوري الأسدي مع البعث العراقي الصدامي، ليتبوأ من جانب الرئيس صدَّام حسين ما كان يتمنى الحصول عليه في سوريا، أميناً عاماً للقيادة القومية لحزب البعث. وحتى أيام مرضه كان التعامل الصدَّامي معه تعامل من هو الرفيق الأعلى مكانة حزبية. ثم بعدما توفي، وهو قيد العلاج في باريس، دُفن في أرض مبنى القيادة القومية بمهابة غير مسبوقة لطالب الملاذ في نظام ثوري.

وما كان رئيس وزراء الأردن، وصفي التل، ليلقى فاجعة الاغتيال من جانب شاب فلسطيني معبأ غضباً، لو أنه كان في مصر طالب ملاذ، كما سائر الذين رأوا فيها أكثر الملاذات ضمانة على الحياة.

لم تعد بيروت مقصد الذين يحتاجون في ساعات الشدة إلى الملاذ الآمن فيها، وذلك لأنها باتت عملياً، في جزء من أرضها، ومن الأرض اللبنانية، في جنوب البلاد، ملاذاً لحركة «حماس»، إضافة إلى أفراد في الحركة الحوثية. ولا يقتصر الملاذ اللبناني على زيارات قياديين من «حماس»، من بينهم الرجل الأول في الحركة إسماعيل هنية، وعلى لقاءات تخطيط مع الأمين العام ﻟ«حزب الله» حسن نصر الله، وعلى موفدين ثوريين ودبلوماسيين إيرانيين يأتون خصيصاً من إيران بقصد التخطيط والتشاور، وإنما بات جزء من الأرض اللبنانية في الجنوب ميدان عمليات لمقاتلين «حمساويين»، ويتم الإعلان بين حين وآخر من جانب مسؤولين من «حماس» عن هذه العمليات.

هنا، لا يعود لبنان الملاذ الآمن لمن يحلّقون في الفضاء الثوري الإيراني. ويصبح من وجهة نظر إسرائيل كما لو أنه امتداد لقطاع غزة.

في ضوء ذلك، تفادى النظام الإيراني أن يكون ساحة انطلاق عمليات، كما لبنان، واقتصر دوره على تنشيط الأذرع العاملة تحت رايته، لكن رغم ذلك، فإن إسرائيل ترى في الدور الفلسطيني الذي تمارسه ما تراه بلبنان. ومن هنا، جاءت عملية اغتيال إسماعيل هنية عكس ما يرسمه النظام الإيراني لدوره الفلسطيني، بمعنى أن يكون الداخل الإيراني ملاذاً للتحادث مع قياديي «حماس» الذين يأتون أو يستدعون للتشاور والتمويل ورسم الخطط، وأن يكون الخارج كما يتمثل بجزء من لبنان وباليمن الحوثي والعراق الإيراني، الولاء والتنظيم لتنفيذ العمليات.

ولقد افترضت إيران أنها نائية عن أن تكون مجرد الملاذ الثوري الآمن، كما مصر. وفي الوقت نفسه، يستمر الدور الخارجي كما هو عليه، يبقيها في منأى عن المخاطر والعمليات التي تتسبب في إحراج بالغ القساوة لمهابة الحكم، على نحو واقعة اغتيال إسماعيل هنية، خصوصاً أنه أتى مدعواً وضيفاً للمشاركة في احتفالية تنصيب الرئيس الجديد مسعود بزكشيان، بما يعني أن طهران هي الملاذ الآمن، وليست العاصمة التي كانت النهاية لمسيرة نضاله، من أجل وطنه فلسطين، في شقة الاستضافة الإيرانية المتميزة له.

وهكذا الملاذ لأهل السياسة والأحزاب والحركات التي تتنوع مقاصدها. ملاذ السلامة وملاذ النهاية. أعان الله الأمة.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ملاذ السلامة وملاذ النهاية ملاذ السلامة وملاذ النهاية



GMT 08:58 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 08:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 08:43 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 08:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 07:32 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 07:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 07:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 07:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon