توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كلنا إعلاميون

  مصر اليوم -

كلنا إعلاميون

عبد الرحمن الراشد

حتى بعد أن أنهيت وظيفتي الأخيرة، في قناة «العربية»، بقيت التساؤلات مفتوحة، هل نحن خبازون نطعم الناس ما يحتاجون إليه، أم أننا غسالون ننظف العقول ونكويها؟ وإلى جانب سؤال الحيادية هذا، هناك سؤال آخر مكمل له يتكرر أكثر، إن كان انتشار الوسائل فوضى إعلامية، أم أنه هدم للجدران ونشر للحرية؟
الحياد تمرين فكري صعب جدا، وأدعي أنني حاولت ألا أقحم عملي في رأيي، وحاولت ألا أقحم رأيي في عملي أيضا. الأولى، كانت مهمة سهلة إلى حد ما. أما الثانية، فلا أدعي أنني نجحت فيها، فآراؤنا بطبيعتها تتسلط علينا، وتسيرنا. عندما انتقلت من هذه الجريدة إلى عملي في قناة «العربية»، قبل عشر سنوات، أول قرار اتخذته كان منع بث مقالاتي ضمن برنامج الصحافة على قناة «العربية»، لأن فيه تعارضا، وكذلك حظرت على نفسي المشاركة في الحوارات التلفزيونية.
كانت تلك خطوات وظيفية سهلة، مثل نزع القشدة عن الحليب، لكن بقي أن أحبس رأيي عند التعامل مع الأحداث، وقد وجدت منعه عاطفيا بلا إنسانية، مثل نزع الدسم من الحليب، يجعله بلا طعم أو رائحة!
ولأنني خريج إعلام أكاديميا، وتلميذ الصحافة الميدانية، وعايشت من هم أفضل مني خبرة وتجربة، سعيت لفصل الخبر عن الرأي، ولم أنجح كثيرا. وبعد هذه الفترة الطويلة أعترف، وبضمير مرتاح، أن هندسة «الخبر المجرد» وإنتاج «العمل الإعلامي الحاف» مجرد نظرية فقط.
ولهذا الاستنتاج أسبابه، أولا، تقريبا كلنا أصحاب رأي، ومن لا رأي له فهو إمّعة، وثانيا، صحيح أن من واجبنا عرض الحقائق مجردة، إنما عليكم أن تتذكروا أن للحقيقة أوجها متعددة.
واليوم، من حق الإعلاميين أن يميزوا أنفسهم. ففي الماضي كان يجوز للغير أن يرمينا بالحجارة، عندما لا يعجبه رأينا وأخبارنا، لأننا كنا نحتكر الإعلام، لكن اليوم لم يعد هذا واجبا، ولا علينا أن نشعر بالذنب. فكل الناس صاروا إعلاميين، والملايين من حملة الهواتف الذكية يمارسون مهنتنا، النقل والأخبار والتعليق، ويؤثرون أيضا في مجتمعهم. لم يعد الإعلام خاصا بالقلة من الصحافيين، ولا حكرا على ملاك الإعلام.
وقد زادت معاناة الناس مع زيادة حريتهم، في تناسب عكسي طبيعي. فقد زاد العبء والمسؤولية عليهم نتيجة زيادة تناقلهم المعلومات، عدلت القوانين، وأسست المحاكم، ووسعت السجون. إطلاق تعليقات خاطئة، أو معلومات مضللة، أو انحياز متعجل. وكل شيء تغير، حتى الأدوار تبدلت، كنا المصدر، واليوم عامة الناس صارت المصادر. وكنا نسمي في الماضي من يقرأ الجريدة أو يشاهد التلفزيون: المتلقي، أما اليوم فقد أصبح شريكا لنا: يختار، وينسخ، ويطبع، ويرسل، ويصور، ويضيف، وينقص، ويلون، ويحرر. اليوم كلنا إعلاميون، الفارق فقط بين متفرغ ومتعاون، أو بين محترف وهاو.
ومن تجربتي أتساءل، ماذا حدث للإعلام «المسؤول» هل أفلت من عقاله، نتيجة انخراط ملايين الناس فيه؟
ومع أن «الإعلام المسؤول» عبارة مكروهة في أوساطنا، لأنها كلمة محسنة لـ«الرقابة»، إلا أنها صارت تعني الكثير بسبب انهيار السد، والفيضان الرهيب من المعلومات. ولم تعد الرقابة تصلح مشجبا للشكوى، مع احترامي لنواح المهنة، فما لا تذيعه محطة تستطيع إرساله عبر «اليوتيوب»، وما تمنعه الصحيفة لن تعييك الحيلة بتوزيعه على المواقع المفتوحة ومجاميع البريد الشخصية، وغالبا ستجد جمهورك الذي تريد الوصول إليه.
والقلق مبالغ فيه عند الوسائل التقليدية، من صحف وتلفزيون، من تبدلات المستقبل، وطغيان التقنية البديلة، فهو لن يقتلها، بل أجزم أنه سيزيدها لمعانا طالما أنها تشارك فيه، هذا رأي من تجربة شخصية، حيث وجدت أن أكثر من خدمنا، ودعمنا، ونقلنا إلى مجرات فضائية أبعد، هو الإعلام التواصلي الحديث نفسه، الذي كنا نظن أنه الخنجر المسموم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كلنا إعلاميون كلنا إعلاميون



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon