توقيت القاهرة المحلي 06:46:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

محاكمة نجم التحريض

  مصر اليوم -

محاكمة نجم التحريض

عبدالرحمن الراشد

لم نعرف اسمه بل كنا نعرفه بكنيته، أبو حمزة، مع أنه أشهر من نار على علم. مصطفى كمال مصطفى، يحاكم في نيويورك اليوم، كواحد من أخطر المحرضين المتطرفين في العالم. هناك كشفت عن شخصيته، كيف انقلب من أقصى العبثية إلى أقصى التطرف الديني. وفضحت المحاكمة شخصياته المتعددة؛ من عامل في ملهى ليلي، إلى متعامل مع المخابرات البريطانية، إلى زعيم متطرف. فقد ذراعيه وعينه في مشروع بناء طريق في باكستان لصالح الجيش الباكستاني وليس في نشاط جهادي، كما كان يزعم. عاد إلى بريطانيا وفرض نفسه إماما على مسجد فينزبري بارك في لندن، وصار أبرز محرض على العنف والكراهية. وكان من نجوم التلفزيون الذين شوهوا الإسلام وسمعة المسلمين، حتى صار الشرير الذي يصلح أن تخيف به الأمهات أطفالهن، بعصابة على العين ويدين من خطافين معدنيين. والآن يحاكم بتهم، بينها التآمر بالخطف في اليمن، وتأسيس معسكر إرهابي في الولايات المتحدة.
وليس غريبا أن يتقدم صفوف الجماعات المتطرفة، شخصيات جاءت من مجالات مناقضة للتدين، كباريهات وتجارة مخدرات ولصوصية. بعضهم تخرج في فصول التوعية الدينية في السجون، وبعضهم تاب توبة ثم تحول من التطرف إلى التطرف، وهؤلاء يتميزون بشخصيات جريئة، ومهارات إضافية.
وكما تسرب عن سيرته، فالرجل اتضح أنه تعامل لفترة مع المخابرات البريطانية، مستشارا لها، ولا نعرف عمق العلاقة إن كانت مجرد استشارات من شخص مختص بالجماعات الإسلامية المتطرفة، أم أنه كان مخبرا لها أيضا. فهل كان عميلا وغرر بالأبرياء والأشرار، أم أنه إرهابي وغرر بالمخابرات، لا ندري؟ وقد دأبت أجهزة الأمن على اختراق هذه الجماعات السرية، إما بتجنيد متطرفين من داخلها، أو بزرع أفراد يخترقونها، وهذا هو سلاحها السري الذي يمكن به الانتصار عليها. إنما تجنيد متطرفين هو سلاح من حدين، قد يكون سببا في زيادة المشكلة وإن نجح في الإمساك ببضعة أفراد، والمشكلة في محاربة الإرهاب هي الآيديولوجيا وليس الأفراد.
فقد بان أن عددا من المتطرفين جدا الذين كانوا يكتبون في مواقع الإنترنت في آواخر التسعينات، وما تلاها، ليسوا إلا مخبرين. كانوا أفخاخا نصبت لاختراق «القاعدة»، وتنظيمات الدعوة المتطرفة، في عمليات ذكية نجحت في الإمساك بعدد من الإرهابيين ومكنت من جمع معلومات ثمينة عن حلقاتهم ونشاطاتهم السرية.
إلا أن الجانب السيئ في استخدام هؤلاء المجندين والمزروعين، وبعضهم نجوم ومشاهير في حركة المتطرفين، أنهم يوسعون الدعوة للإرهاب، فيصبحون جزءا من المشكلة بالنسبة للمجتمع، وإن كانوا جزءا من الحل بالنسبة للأجهزة المكلفة برصدهم. ينشئون مواقع متطرفة، ويروجون لأفكار وفيديوهات تحريضية، وهي نشاطات سيئة قد تنجح في القبض على بعض الإرهابيين أو تفضح عملياتهم. وكم مرة داخلني الشك حيال تصرفات بعض كبار المحرضين، إن كانوا حقا متطرفين أو من المزروعين، خاصة الذين يبالغون في التحريض، مثل أبو حمزة. فقد كان يتحدى الشرطة ولا يبالي بأحد، ويصر على إقامة دروس التحريض وخطب الوعيد في الشارع، رغم أوامر المنع، على مرأى من ممثلي السلطات، ثم نراه الآن مستكينا متراجعا في محاكمة نيويورك، متبرئا من معظم أفعاله وأقواله. كم أضر كثيرا هذا الداعية الغامض بمجتمع المسلمين الذي عاش فيه ببريطانيا، وتسبب في تطرف العديد من الشباب، ورفع وتيرة التصادم.
وليس غريبا أن ينتقل أحدهم إلى المعسكر الآخر، فأسامة بن لادن نفسه كان من المدفوعين للعمل الجهادي في أفغانستان، ومن خدماته تسليم الأموال المنقولة للمنخرطين في تلك الحرب ضد السوفيات، وبتأثيرات قياديين مثل عبد الله عزام وأيمن الظواهري، وبعد أن جرب الزعامة، انقلب على رعاته وأصبح من عتاة الإرهابيين.
ونعود للتذكير بألا حل للتطرف إلا الحل الفكري، لا أمني ولا قضائي. وما لم يتم إنقاذ الإسلام من دعاته المتطرفين، ويوضع له منهج يرشد المجتمع إلى الاعتدال، فإن أزمة التطرف والإرهاب ستستمر مهما بلغت نجاحات الأمن وأساليبه.

"الشرق الأوسط"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محاكمة نجم التحريض محاكمة نجم التحريض



GMT 08:58 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 08:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 08:43 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 08:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 07:32 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 07:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 07:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 07:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon