عبد الرحمن الراشد
أحمد الجربا، رئيس السوريين البديل لبشار الأسد، يزور واشنطن في محاولة جديدة للحصول على صواريخ مضادة للطائرات، السلاح الذي أخرج السوفيات من أفغانستان، وتسبب حرمان الثوار السوريين منه في إبقاء الأسد في دمشق. لا أدري كيف سيقنع الجربا الرؤوس الحجرية في البيت الأبيض بأن تسمح لهم بالحصول عليها. والجربا لا يريدها مجانا، ولا يطلب من الأميركيين بيعها له، بل السماح للأطراف التي تملكها ببيعها أو إهدائها للجيش السوري الحر.
ولا توجد دلائل على أن البيت الأبيض مستعد لتغيير موقفه رغم ضخامة المأساة، ورغم استمرار نظام الأسد في استخدام طائراته يوميا في قصف المدن والقرى دون تمييز، رغم وجود تحذير من مجلس الأمن للنظام بعدم استخدام سلاح البراميل المتفجرة التي تستهدف غالبا المناطق المدنية. ونتيجة عدم وجود مضادات ضد سلاح الجو، بقي الفضاء السوري حرا، حيث تقوم الطائرات يوميا بغاراتها دون رادع. القوة الجوية هي مصدر بقاء النظام، بعد أن أصبحت قواته على الأرض متهالكة، ويعتمد بشكل أساسي على ميليشيات إيرانية مع حزب الله اللبناني تقاتل بالنيابة عن جيشه.
نتيجة لتسيد نظام الأسد جوا، والقصف المستمر، دمرت معظم المدن والقرى السورية، وتشرد تسعة ملايين مواطن، نصفهم فروا إلى الخارج. منع الأميركيين المعارضة من التسلح بصواريخ مضادة للطائرات عمليا مكّن النظام وحلفاءه، من إيرانيين ولبنانيين، من السيطرة والتقدم، وهو السبب المباشر في مأساة اللاجئين، التي تهدد بزعزعة دول الجوار، وتحديدا الأردن ولبنان.
ومن أجل أن يوقف الجربا الهزيمة والمأساة الإنسانية، يسعى لدى الجانب الأميركي لإقناعه بالسماح بتسليحه، خاصة بعد نجاح ضبط صواريخ «تو» المضادة للدروع، التي يتم إحصاؤها قذيفة قذيفة، قبل وبعد إطلاقها، حتى لا تسقط في أيد معادية.
ومع أن الخوف من أن يستولي متطرفون على صواريخ مضادة للطائرات مبرر لم يعد مقنعا، رغم صحة افتراس «القاعدة» الساحة السورية، بعون من النظام، فإن الجربا له معرفة شخصية وتجربة في نقل السلاح داخل سوريا، وقادر على تقديم ما قد يحتاجه الأميركيون من ضمانات بأن تدار هذه العملية وفق رقابة وإحصاء دقيقين. هذا إذا كان حقا المبرر هو الخوف من سقوط الصواريخ في أيد معادية، أما إذا كان السبب هو أن البيت الأبيض لا يمانع في إطالة الحرب، فحينها على الجميع تحمل مسؤولياتهم. كل المتابعين للحرب هناك أصبحوا يجمعون على أنها توشك أن تخرج عن السيطرة، وأن حرمان المعارضة السورية المعتدلة من حاجتها من الأسلحة الأساسية نجح في تحقيق أمرين؛ الأول إطالة المأساة بما تعنيه من مخاطر على جميع دول المنطقة، والثاني تقوية الجماعات المتطرفة التي تفرض نفسها كقوة على الأرض، على الجميع الامتثال لها.
لم يعد أحد يصدق ذريعة الخوف من سقوط الأسلحة في أيدي تنظيمات معادية، مثل «داعش» و«النصرة»، وذلك لأنه توجد على الأرض معارضة موثوق بها، أيضا معروفة للأميركيين أنفسهم، الذين يراقبون عن قرب في الأردن وتركيا ما يحدث وراء الحدود. ولم تعد حجة الخوف من التورط في الحرب مقنعة، لأن الجميع لا يريدون مقاتلين أميركيين، بل فقط السماح للسوريين بشراء ما يحتاجونه من سلاح لمواجهة آلة القتل الضخمة، وفرض حقائق على الأرض تجبر نظام الأسد على الذهاب إلى جنيف والتفاوض على حل سياسي معقول ومقبول.