بقلم : عبد الرحمن الراشد
كل شيء متوقَّع في المنطقة، لكنّ هذه الأحداث الجديدة غير اعتيادية، وستكون لها تبعات لاحقة. هي المواجهة الأولى أميركياً مع إيران، وصدمتها مفاجئة باغتيال الجنرال قاسم سليماني، جنرال الحروب في المنطقة.
ما أصاب طهران من جروح بليغة، لهيبتها وقيادتها، نتيجة القراءات الخاطئة من جانبها. فقد اعتادت الأنظمة الشريرة في المنطقة، ومنها إيران، على الاستهانة بالقوة الأميركية واحتقار الرؤساء الأميركيين، وهو ما أدى إلى القضاء على صدام وبن لادن والبغدادي. معظم أنظمة المنطقة لا تحترم إلا القوة، تخاف روسيا وتتحاشى التعرض لها أو مصالحها. إيران اتهمت صحافية روسية بالتجسس واعتقلتها وبعد تهديد موسكو سارعت لإطلاق سراحها في أيام، في حين يقبع المعتقلون الأميركيون والأوروبيون في سجون إيران لسنين ويستخدمهم النظام للضغط والمساومات.
الاحترام والأخلاق ربما ليسا من أولويات مبادئ العلاقات الدولية، لكنّ هيبة الدول تتقدم على غيرها. لقد تمادت طهران في تعاملها مع دول العالم بما فيها واشنطن وهددت مصالحها لعقود، وقد تحاشى الرؤساء الأميركيون استخدام قدراتهم واكتفوا بملاحقة عملائها من تنظيمات تابعة لها. لأن إيران عاملت الرئيس الحالي دونالد ترمب مثل سابقيه، أصبحت في شقاء بتطبيقه العقوبات الاقتصادية الأقسى في تاريخ المنطقة، وعندما تجرأت على قتل أميركي في كردستان العراق ودبّرت محاصرة السفارة في بغداد دفعت أغلى ثمن؛ قتل ترمب أهم عسكري إيراني، كان يظن أنه محصّن ولا يتجرأ أحد على أن يمس شعرة من رأسه. لهذا كانت مسرحية الصواريخ الإيرانية التي استهدفت القاعدة الأميركية من دون إصابات، خوفاً من الرد الأميركي. القيادات الإيرانية تعلم الآن جيداً أن ترمب رئيس مختلف، يملك العزيمة والجرأة ولن يتردد في إنهاء القوة العسكرية الإيرانية لو تجرأت على الهجوم بعنف. أربعون سنة من القوة العسكرية والصناعية يمكن أن يدمّرها ترمب في ظرف أيام، وتصبح إيران بعدها مجرد دولة لا تستطيع لا حماية أراضيها ولا نظامها.
كلنا ندري أن إيران لا تحترم إلا لغة القوة وهذا ما يجعل اللجوء الأميركي إلى القوة بلا حدود ولا خطوط حمر ضدها عملاً سياسياً بامتياز، قادراً على تغيير الأوضاع في المنطقة إلى الأفضل. الجنرال سليماني صار يدير منطقة واسعة من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن وغزة ويهدد الحكومات الأخرى. والذين يتهمون ترمب بالبلطجة والغطرسة ينسون أن نظام إيران هو من يمارس البلطجة والغطرسة منذ أربعين عاماً حتى جاء من يستطيع أن يكون أكثر غطرسة وبلطجة منه. منذ توليه الرئاسة وهو يمد يده لحكومة إيران يدعوها للتفاوض، إلا أن من في طهران كانوا يظنون أنها يد الضعف وقرروا أن يلووا ذراعه بقتل بضعة أميركيين أو حرق سفارته. جربوها وكانت النتيجة دموعاً في طهران. ويهددهم صراحةً بأنه مستعدّ للرد وتدمير قدرات إيران، والآن فقط كلنا ندرك أنه سيفعل دون أن يرفّ له جفن وسيعلن عن تدميرها في واحدة من تغريداته.
طهران لم تتعظ مما حولها، فدولة كبرى كالصين قبلت بالعودة للتفاوض ومن منطلق التنازل، وكذلك تفعل المكسيك وكندا، وحتى دول «الناتو». ورئيس تركيا تجرع الإهانة وسافر إلى واشنطن ساعياً لحل مشكلاته.
الخاتمة ستكون إيجابية. بعد هذه الضربات الموجعة لنظام المرشد الأعلى يصبح العمل الدبلوماسي متاحاً في إطار معقول من سقف التوقعات لصالح المنطقة بما فيها إيران نفسها.