توقيت القاهرة المحلي 14:42:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

طوكيو المثيرة للدَّهشة

  مصر اليوم -

طوكيو المثيرة للدَّهشة

بقلم - عبد الرحمن الراشد

تردَّدت على زيارة اليابان منذ التسعينات، ولا تزال تثير الكثيرَ من الفضول. اليابان واليابانيون يندر أن تجدَ لهم مثيلاً في إدارة شؤونِهم وتقاليدِهم ونظرتهم إلى أنفسهم. الإعجابُ بالثقافة اليابانية من العواملِ المشتركة لكلّ من زارَ هذا البلدَ البعيد. ولولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تقديرٌ خاصٌّ لليابان وثقافتها، حيث تردَّد عليها مبكراً وشجَّع على التعاطي مع المنتجاتِ الثقافية اليابانية وربَّما لم يقدم على مثل هذه العلاقةِ الخاصة زعيمٌ قبله.

طوكيو الكبرى، 23 مليون نسمة، الأكبر سكاناً بين مدن العالم، ضعف سكان لندن، ومع هذا لا تشبه العاصمة اليابانية في انسيابيةِ الحركة والطرقِ والناس أي عاصمة مكتظَّة بالسكان، نيويورك أو أنقرة أو الرياض والبقية. إنَّها حالة تستحقُّ الفهمَ والدراسة. الطرقُ السريعة المتعددة الأدوار، والمواصلات العامة هي الناقل الأكبر، يستقلُّ القطارات داخل طوكيو 8 ملايين راكب كلَّ يوم، وهناك نحوُ خمسة ملايين سيارة. وليستِ الشبكاتُ العملاقة للطرق أو القطارات هي السبب، فالملاحظُ والمدهش حقاً الانضباطُ الذي لا يجاريهم فيه أحدٌ، ويجعلك تظنُّ أنَّهم شعبٌ من كوكب آخر.

سألتُ لماذا يقود اليابانيون سياراتِهم على الجانب الأيسر من الطريق، كالإنجليز، مع أنَّ بريطانيا لم يسبق لها أن استعمرتِ اليابان؟ سمعت ثلاثَ إجابات مختلفة، واحدة أن محاربَ الساموراي فرضَ تقاليدَه على الطرق، قبل زمنِ المركبات، السير على اليسار حتى يظلَّ الفارسُ ممسكاً بسيفِه بيدِه اليمنى ليسلَّه عند الحاجة. التفسير الثاني والمنطقي، أنَّ البريطانيين هم من بنَى أولَ سكة حديد في أواخرِ القرن التاسع عشر، وبنوها لتسيرَ القطارات على اليسار، فأصبح هو نظامُ السفر بشكل عام. والثالث أنَّه كانَ قرار الحكومة التي أصدرت تشريعاً في عام 1924 بالسير على الجانب الأيسر. حتى المشاة ملتزمون بذلك، ولك أن تتخيَّلَ التقاطعَ التجاري الشهيرَ شيبويه المزدحم بالمشاة، ففي كل مرة تضيء الإشارة خضراء يعبره، ومن دون فوضى، ثلاثةُ آلافِ شخص في دقائق، ونحوُ نصف مليون إنسان في اليوم!

اليابانيون شعبٌ فخورٌ بتقاليده وعاداته، لكن لا ننسَى أنَّهم خلعوا الجلبابَ التقليدي «الكيمونو» في عهد ميجي في القرن التاسعَ عشر ولبسوا البذلة الغربية. ولم يقتصرِ «التغريب» على الثياب، بل شمل الصناعة والثقافة والتعليمَ والعمارة والتنظيمَ العسكري، الذي سرَّع قدراتِ اليابان لتصبحَ قوة عالمية مع حلول القرن العشرين، ودولة صناعية منافسة للأوروبيين والأميركيين.

للجغرافيا الدور الأساسي في عزلة البلاد عن العالم، ولهذا فاليابان بلادٌ فريدة لم تغزَ أبداً بالكامل من قبل إمبراطورية أجنبية عبر تاريخها الطويل. المغول الذين استولوا على أكثرَ من نصف العالم حاولوا مرتين غزو اليابان وفشلوا. الأوروبيون، من هولنديين وبرتغاليين وإسبان وإنجليز، اجتاحوا البلادَ بالتجارة والثقافة في القرن السادس عشر، مما أخاف إمبراطوره الذي ضرب عزلة على البلاد دامت أكثرَ من قرن. ثم جاء الأميركيون ولم يقبلِ اليابانيون المتاجرة معهم، في وقت كانوا يقتصرون علاقتهم مع الصين وكوريا وهولندا فقط. وحاول الأميركيون مرة ثانية ومعهم أسطول من سبع سفن حربية، ووقع اليابانيون اتفاقية تحت الضغط العسكري وسمحوا للسفن الأميركية بالوقوف والتزود بحاجاتها، ثم سمحوا للتجار الأوروبيين باستخدام الموانئ اليابانية. وفي عهد الإمبراطور ميجي حدث الانفتاحُ الكبير، أدخلت الصناعة الأوروبية الحديثة والثقافة الغربية، وفشلت القوى التقليدية في منع التغيير بعد نقاش طويل حول السيادة والهوية والثقافة المحلية.

اليابان هُزمت وتمَّ غزوها مرة واحدة. كان ذلك في أواخر الحرب العالمية الثانية عندما أسقط الأميركيون قنبلتين نوويتين استسلمت بعدها للحلفاء، ووافق الإمبراطور على أن يتنازل عن ألوهيته، وأصبحت اليابان تحت الحكم العسكري الأميركي لثماني سنوات. تغيَّرت اليابان وأصبحت حليفةً لواشنطن، وفيها 50 ألفَ عسكري أميركي ضمن الاتفاقية الدفاعية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طوكيو المثيرة للدَّهشة طوكيو المثيرة للدَّهشة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon