بقلم : عبد الرحمن الراشد
انفجار ميناء بيروت دفع بقوة مطلب إنهاء هيمنة الإيرانيين على لبنان بنزع سلاح «حزب الله»، ولن يمكن تحقيق هذا الهدف بدون ضغوط إقليمية ودولية.
ولأنه لا أحد يريد خوض حرب أخرى، فالعقوبات على الحزب ومحاصرته تبدو السبيل الوحيد، وإن كان من غير المستبعد أن تلجأ إيران إلى إشعال فتيل المواجهة فى لبنان ومحيطها، مثل افتعالها أسباب حرب عام 2006 مع إسرائيل.
خوض الصراعات الإقليمية ليس خيارًا فى المنطقة بوجود قوى متنمرة، مثل إيران وتركيا. حتى حكومات الدول الكبرى لا تبتعد طويلًا، مهما وعدت وحاولت، كما حاول الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترمب.
إيران أدركت مبكرًا أهمية التمدد والنفوذ الإقليمى، فتسللت تدريجيًا، عبر سوريا، إلى بيروت، ثم بغداد وصنعاء. استخدمت لبنان فى استراتيجية التوازن الإقليمى مع إسرائيل، وفرض وجودها فى بقية المنطقة. السوريون سبقوا الإيرانيين بعقد، دخلوا بيروت على ظهر دبابات «الردع العربية»، القوة التى شكلتها الجامعة العربية لوقف الحرب الأهلية. فكانت حصان طروادة للاستيلاء على لبنان. استولت سوريا على السلطة، وفتحت لبنان كجبهة عسكرية لها لمواجهة إسرائيل، فى الوقت الذى التزمت فيه دمشق السلام على جبهة الجولان مع إسرائيل، وفق اتفاقها مع وزير الخارجية الأمريكى حينها، هنرى كيسنجر.
هذا البلد الصغير، من أكثر دول العالم تنوعًا فى أديانه وأعراقه، دائمًا كان أرض المنازلات والحروب غير المباشرة. الرئيس المصرى جمال عبدالناصر حاول فى منتصف القرن الماضى الهيمنة على لبنان، مستخدمًا قوى اليسار والشيوعيين المحلية، ردًا على رفض الرئيس اللبنانى كميل شمعون قطع العلاقات مع الغرب فى أزمة السويس. واضطر الرئيس الأمريكى آيزنهاور دخول أول حرب فى المنطقة بإنزال 14 ألف جندى فى لبنان، واستطاع إفشال عملية تغيير النظام.
النزاع الإقليمى صار بين القطبين، السعودى والناصرى، فى الستينيات، وشهد لبنان مواجهات غير مباشرة، وتزامنت مع الحرب فى اليمن، وانطفأت بعد تحقيق المصالحة بين البلدين. ثم انتقل إليه المسلحون الفلسطينيون، بعد طردهم من الأردن فى السبعينيات، فصار لبنان «دولة بديلة لفلسطين»، تحت حكم «منظمة التحرير»، إلى أن أخرجتها إسرائيل بالقوة فى صيف عام 1982. كذلك اليمن، فرغم بعده عن دوائر الصراعات، كان ساحة للنزاعات فى الحرب الباردة بين القوى الكبرى والإقليمية والداخلية، بين الملكيين والجمهوريين، والناصريين باستهدافهم السعودية، واصطفت دول بعضها ضد بعض، مثل بريطانيا والاتحاد السوفيتى فى جنوب اليمن. الحروب لم تكن خيارًا، لهذا فلا مكان لسياسة النأى بالنفس، لأنها ليست قابلة للتطبيق.
الاحتلال الإيرانى للبنان، وهو الوصف الدقيق لما هو قائم على الأرض من خلال دميتها «حزب الله»، لم يمر بيسر. إضافة إلى المواجهة الإسرائيلية العسكرية له، كانت هناك معارضة مدنية ضد «حزب الله». الإيرانيون، من خلال «حزب الله»، قتلوا فى لبنان أكبر عدد من السياسيين والمثقفين من أى بلد آخر. وسخّروا لبنان كقاعدة انطلاق إقليمية فى حروبهم فى سوريا والعراق واليمن.
وطالما أن التوترات الإقليمية مستمرة، فإن اللعبة السياسية ستستمر، وهذا ما يجعل الأتراك والقطريين يبدأون، فى هذا الموسم الحار، رحلة جديدة من مغامراتهم فى لبنان، بعد ليبيا.
انفجار ميناء بيروت عجّل بالحديث عن نزع سلاح «حزب الله»، الذى سيعنى إنهاء النفوذ الإيرانى تلقائيًا. لكنها مهمة ليست بالهينة، ولا شك أن الحزب ضعف كثيرًا بعد الحصار الأمريكى على إيران، بدليل عجزه عن مواجهة الغضب الشعبى ضده فى وسط بيروت.