توقيت القاهرة المحلي 07:56:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وفاة ثعلب طهران المحاصر

  مصر اليوم -

وفاة ثعلب طهران المحاصر

بقلم : عبد الرحمن الراشد

ليست صحيحة المرثيات التي تقول بأن نظام إيران بات في خطر بوفاة أحد أعمدته٬ هاشمي رفسنجاني. النظام خسر صقره منذ سنوات٬ تم نتف ريشه حتى أصبح بلا سلطة٬ ولا قيمة رسمية حقيقية٬ معزولا وتحت المراقبة. وتم إبعاد معظم رجالاته من صالونات الحكم٬ وسجنوا ابنته فائزة٬ ثم استدرجوا ابنه مهدي بأنه إن عاد من الخارج طواعية لن يحاسب٬ وأول ما نزل من سلم الطائرة اعتقل ورمي في السجن.

نظام إيران يأكل أبناءه منذ بدايات الثورة٬ حيث تآمر المتزاحمون على السلطة على الشاب القريب من آية الله خامنئي٬ أبو الحسن بني صدر٬ الذي فاز بالرئاسة٬ فهرب ليلا ولجأ إلى فرنسا٬ ولا يزال يخاف على نفسه. ثم أعدموا بالرصاص وزير خارجيتهم٬ وكان صوت الثورة٬ صادق قطب زاده. ووضعوا في الإقامة الجبرية قيادات من رفاق الثورة من آيات الله٬ وآخرهم مهدي كروبي ومير حسين موسوي٬ لأنهما اعترضا على التزوير وسوء السلطة. هؤلاء كلهم كانوا رجالات النظام وليسوا خصومه.

المعارضة الإيرانية تحدثت عن الاشتباه في ظروف وفاة رفسنجاني٬ لأنه كان يمارس نشاطه بحيوية٬ رغم عمره المتقدم٬ حتى آخر يوم قبل وفاته٬ لكن وإن كانت وفاته طبيعية٬ فالأكيد أن القيادة الحالية عملًيا قتلت رفسنجاني منذ سنوات٬ عندما ألغته من المشهد.

ما الذي فعله حتى يعاقب؟ لم يؤخذ عليه أي عمل أو موقف معاد للنظام٬ فقد كانت خلافاته مع القيادة على تفاصيل السياسة٬ وهي ليست سببا للخصومة؛ لأن المرشد الأعلى هو من يقرر. يخشون رفسنجاني لأن شرعيته تأتي بعد المرشد الأعلى٬ فهو ابن الثورة ومن أثرياء البازار وأقدم زعامات النظام٬ مما جعله هدفا لسهام منافسيه داخل قمرة القيادة. اتُهم أفراد عائلته دون اتهامه شخصيا٬ لأنه يملك شعبية في الشارع الإيراني التقليدي٬ وله علاقات دولية أكثر من أي من سياسيي طهران الآخرين٬ بناها بعد توليه الرئاسة ودعمه للصف «المعتدل» من مشايخ النظام٬ وساهم في إيصال محمد خاتمي للحكم.

الحكم في إيران لا يدار من أفراد٬ هو نظام ديني أمني يعمل جماعًيا٬ مثل النظم الشيوعية قدي ًما٬ بغض النظر عن المنصب والتراتبية٬ بمن فيهم رئيس الجمهورية٬ ويستثنى من ذلك شخص واحد٬ هو المرشد الأعلى الذي له الكلمة الأخيرة.

كان رفسنجاني ثعلبا سياسيا حتى قبل أن يتولى الرئاسة٬ وحرص على أن يرسم لنفسه صورة الزعيم المعتدل٬ مقارنة بالوجوه العابسة التي نراها في سرادقات الدولة٬ اليوم٬ وهذا لا يعني أنه كان معتدلا بمقاييس العالم خارج إيران. دعا رفاق الحكم إلى إنهاء الحصار الغربي على بلاده قبل سنوات من مفاوضات النووي التي أدت إلى نفس النتيجة التي كان يدعو إليها٬ لكن منافسيه لم يتراجعوا إلا بعد أن صار الحصار الاقتصادي عليهم قاسيا ويهدد بقاء النظام.

ثعلب طهران هو من قاد مشروع المصالحة مع دول الخليج في أعقاب حرب تحرير الكويت٬ وحرص على أن يذهب للأمير عبد الله بن عبد العزيز٬ رحمه الله٬ ولي العهد حينها٬ ورئيس الوفد السعودي في القمة الإسلامية في السنغال. ذهب إليه٬ صافحه٬ وصالح السعودية بعد حل مشكلة النزاع على حصة الحجاج الإيرانيين٬ بعد أن أصرت السعودية على تخفيضها من مائة وعشرين ألفا إلى سبعين ألف حاج٬ انسجاما مع قرار منظمة المؤتمر الإسلامي٬ وبعد عمليات التخريب التي مارستها بعثات الحج الإيرانية في مكة المكرمة. قبلت طهران بحصتها المخفضة٬ ووافقت المملكة على أن تجرى شعائر «البراءة» في منطقة أراضي البعثة الإيرانية التي تقيم فيها٬ وليس في الحرم أو جواره. وانتكست العلاقات من جديد عندما نفذت الاستخبارات الإيرانية عملية تفجير أبراج الخبر في السعودية التي قتل وجرح فيها عدد كبير من الأميركيين٬ جاء رفسنجاني للسعودية وأمضى فيها أسبوعين يحاول إصلاح ذات البين٬ وتم التصالح بين البلدين. ثم خربت العلاقات مرة ثالثة عندما تبّين أن طهران طرف في تفجيرات الرياض عام 2004 التي نفذت بناء على توجيهات من قيادات «القاعدة» المقيمة داخل إيران٬ الأمر الذي لم تنفه طهران عندما جوبهت بالأدلة٬ وادعت أنها جرت خلف ظهرها. وصار السعوديون٬ كبقية دول المنطقة٬ لا يثقون بوعود رفسنجاني٬ أو أي من قيادات النظام هناك.

وفاة رفسنجاني تثبت للعالم عجز طهران وفشل قيادتها في الانتقال من زمن الثورة إلى الدولة الحديثة المعتدلة.

المصدر : جريدة الشرق الأوسط

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وفاة ثعلب طهران المحاصر وفاة ثعلب طهران المحاصر



GMT 09:06 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 08:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 08:52 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أوروبا تواجه قرارات طاقة صعبة في نهاية عام 2024

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

هل هي حرب بلا نهاية؟

GMT 08:48 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب إسرائيل الجديدة

GMT 08:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon