توقيت القاهرة المحلي 20:08:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نَفَسٌ تحرري في الثورات

  مصر اليوم -

نَفَسٌ تحرري في الثورات

بقلم : عبد الرحمن الراشد

عند التأمل في الأحداث الكبيرة الثلاثة في المنطقة، إيران والعراق ولبنان، نجد أنها أكثر من محاولة الانعتاق من أنظمة فاشلة، وأوضاع اقتصادية بائسة. أيضاً، فيها تجانس في الهوية الفكرية، والبروفايل للفرد والمجتمع الذي يمثله الغاضبون السائرون في الشوارع، في طهران والبصرة وبيروت. هم شباب ضد صيغة النظام السياسي الحاكم قديم الملامح والممارسات، حتى العراق الذي تقوده مؤسسات وأنظمة جديدة نسبياً، إلا أن القيمين عليها يشبهون مَن هم في طهران وبيروت.
إضافة إلى الوقوف ضد الفشل والفساد، هذه ثورة ذات دعوات تغيير اجتماعي أكبر من الرغيف والوظيفة، ضد التطرف الديني ومع الانفتاح الاجتماعي. فيها روح ليبرالية تنسجم مع متغيرات العصر في المنطقة. في إيران، نحو ستين مليون شخص تحت سن الخامسة والثلاثين لا يمتُّون بصلة للقابعين في قم وقصور طهران، والنسبة والأزمة نفسها في العراق ولبنان. هناك المظاهر المعادية صريحة ضد هيمنة المحافظين ورجال الدين، حتى في مدينتين تعيشان روحياً واقتصادياً على المنافع الدينية، مثل كربلاء والنجف. رفعت المظاهرات شعارات صريحة في العداء للقيادات الدينية بلا استثناء. الصور والأصوات واليافطات في كل الدول الثلاث تهاجم الوضع المحافظ القائم، لأنه مركب للسياسيين وحكم كيانات الدولة، والنتيجة أن كل هذه الأنظمة الثلاثة نجحت في الهيمنة الدينية، وفشلت في تقديم حلول اقتصادية للبلاد، ومعيشية للناس، وحرمت الشباب من حرياتهم وحياتهم الطبيعية وحقهم في رسم حاضرهم ومستقبلهم. هل الذين يتظاهرون في بيروت يعرفون أحجام القوى على الأرض؟ هل يخشى حَمَلة الطناجر من حَمَلة البنادق؟ ربما لا، أو لا يبالون في مقابل التصريح برغبتهم في التغيير، ونلاحظ أنه من الفطنة أنهم لا ينزلقون مع ثعالب القوى المهيمنة، مثل الرئاسة و«حزب الله» والمستفيدين من الوضع القائم، الذين يحاولون جرّ الغاضبين إلى مزالق التخوين، مثل سلاح المقاومة، أو شرعية المقاومة، أو العلاقة مع إسرائيل. تحاشوها تحاشياً لمنح حراس النظام من تخوينهم واعتبارهم أعداء الأمة ثم القضاء عليهم.
وفي إيران، ساروا بعيداً، رفض المتظاهرون وصاية آية الله، أي أقصى حدود التمرد في المجتمع الإيراني الذي رضع كل الشباب تقديسه من قبل النظام، في سبيل ضمان الحكم بعد إسقاط الشاه. هذه ليست تماماً ليبرالية ديمقراطية غربية، لكن فيها توق كبير للخلاص، لإسقاط المؤسسة الدينية الجاثمة على صدور تسعين مليون إنسان أربعين سنة. النموذج الديني فشل في إيران والعراق. حتى لبنان، الذي باسم الهلال والصليب يقتسم السياسيون فيه مقدرات البلاد من النفايات إلى النفط، فشلوا في خدمة مواطنيهم.
إيران كانت غنية ومشعّة وقائدة في المنطقة تحت إدارة الشاه، ثم انتهت في أعظم تراجيديا بالمنطقة، بسبب حكم رجال الدين الذين أصروا على الاستيلاء على الحكم، لا الجلوس ناصحين وواعظين لرجال الحكم. ولم تكفهم زراعة المأساة في إيران، بل تمددوا عبر الحدود والدين إلى الجارة العراق. وأصبحت المؤسسات السياسية الحديثة هناك ممرّاً سهلاً لرجال الدين الإيرانيين مستخدمين البرلمان والرئاسات للتأثير والهيمنة على السياسيين المدنيين. وفي لبنان، ورث الطائفيون المستعمرة الفرنسية اللبنانية القديمة، الناس فيها على اختلاف ثقافاتهم ومعابدهم تحنُّ إلى الخلاص والتغيير. وكانت أغاني وأهازيج المحتجين أكثر جرحاً وإيلاماً للزعامات السياسية التي لا تعرف كيف تتعاطى مع هذا الوضع المختلف. فالمحتجون لا يرفعون أعلام أميركا وإسرائيل، ولا يهتفون لطائفة ضد غيرها، ولا لزعيم ضد آخر.
نحن نشهد تبدلات فكرية، وليست فقط معيشية، وستسقط المؤسسات المغضوب عليها، إن لم تتبنَّ مشروعهم، وتسير معهم في الطريق نفسه، وإن لم تفعل فلن تنجوَ، وإن نجت هذه المرة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نَفَسٌ تحرري في الثورات نَفَسٌ تحرري في الثورات



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:59 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تصريحات فيفي عبده تتصدر التريند
  مصر اليوم - تصريحات فيفي عبده تتصدر التريند

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 20:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

أنجلينا جولي تكشف عن شعورها تجاه عملها بعد رحيل والدتها

GMT 15:48 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

ليونيل ميسي يختار نجمه المفضل لجائزة الكرة الذهبية 2024

GMT 13:55 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

اتفاق رباعي علي خارطة طريق لإيصال الغاز إلي بيروت

GMT 06:11 2020 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الشكشوكة التونسية

GMT 19:44 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل العثور على "سوبرمان هوليوود" ميتاً في صندوق

GMT 04:38 2019 الثلاثاء ,09 تموز / يوليو

تعرفي على 9 موديلات مميزة لتزيّني بها كاحلكِ

GMT 22:22 2019 الأربعاء ,27 شباط / فبراير

مستوى رمضان صبحي يثير غضب لاسارتي في الأهلي

GMT 04:46 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

إليكِ أفكار سهلة التطبيق خاصة بديكورات المطابخ الحديثة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon