توقيت القاهرة المحلي 06:51:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الانتقاد والانتقال الصعب

  مصر اليوم -

الانتقاد والانتقال الصعب

بقلم : عبد الرحمن الراشد

 ليس سهلاً تسويق أي عمل في مناخ معادٍ، والأصعب منه إقناع أولئك المتشككين الذين يعرفوننا جيداً، ويعتقدون أنه من المستحيل على هذه الأمة أن تتغير. هذا ما تواجهه رغبة التغيير والانتقال السعودية عندما تتحدث في الخارج إلى قطاعات مختلفة اقتصادية، وإعلامية، وبالطبع سياسية.

وطبيعي ألا ينتظر هؤلاء حتى يحين الموعد المضروب ليعبروا عن شكوكهم وإطلاق أحكامهم، لأنهم، ومن تجارب كثيرة هنا وهناك، رأوْا الفشل تلو الفشل. ومعهم كل الحق، فالحكم دائماً على النتائج. مع الرؤية والعزيمة العمل يسوق نفسه عندما يتحقق، ولهذا أقول إنه أمر علينا أن نتفهمه ونتقبله.

أتفهم تشكيك المحللين والمحررين في مؤسسات التفكير ودور الإعلام، حيث إن معظم المشاريع التنموية والتطويرية في دول العالم النامي لا تبحر بعيداً، غالباً تبدأ كاحتفالات وطنية أو انتخابية، وتصبح في الأخير مجرد أعمال أدبية من روايات الخيال الرسمي. والنماذج الناجحة قليلة، مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة، ولهذا هي بقيت حالات نادرة ومضرب المثل، والبقية تنتظر دورها حتى تثبت نفسها.

في الخطة السعودية أفكار مذهلة ووعود كبيرة تحتاج إلى أن يُؤْمِن بها أهلها، أما من في الخارج لم يصدقوها، يعتبرونها مجرد وعود تقابل بالتشكيك حتى تصبح حقيقة، ولا بأس بذلك.

فالإعلام في الخارج بطبعه متشكك، وليس سهلاً أن يقتنع أن بلداً مثل السعودية، أو غيرها من بلدان منطقة الشرق الأوسط، تستطيع حقاً أن تتخلص من ماضيها القريب، وتتحول إلى بلد جديد قادر على الإبداع والعمل والإنتاج يناقض ما عرف به، وعرف عنه. ويفترض أن يزيدنا التشكيك إصراراً على الانتقال والتطوير، مهمة شاقة لكنها ليست مستحيلة.

القرارات الجديدة، بتصحيح الأسعار، أي أسعار حقيقية من دون دعم ومعونات، ليست سهلة. قلة كانت تصدق أن الحكومة مستعدة لأن تخاطر سياسياً بذلك، لكنها فعلت. سياسات الدعم في أصلها قد تكون حاجة مؤقتة، وعندما تدوم وتدوم تضر بالاقتصاد. كانت في الماضي حلولاً سياسية سهلة لمعالجة أوضاع طارئة، ما تلبث أن تستمر ولا تتجرأ الحكومة على تغييرها.

الاقتصادات الصحية هي التي لا تسير على عكازات الحكومة، تصبح قادرة على إيجاد فرص وظيفية أكبر ومداخيل أعلى وتكون أقل عرضة للأخطار. والوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة يتطلب تحمل السير في طريق وعرة، وهذا ما يجعل معظم المحللين والإعلاميين يتشككون من طروحات التصحيح الاقتصادية، متسائلين هل حقاً تستطيعون السير إلى نهاية الطريق وتحمل المخاطر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؟

من المفهوم أن السياسيين يفضلون إرضاء مواطنيهم بالدعم والإجازات وكل ما يجعلهم راضين في تلك الساعة، لكن هذا ليس في صالحهم، لأنه سيأتي يوم مظلم لن يستطيع فيه صناع القرار تأمين الوظائف والأجور والخدمات. هذا ليس تنظيراً ولا فكراً تشاؤمياً، هذه حقائق يمكن أن نستخلصها من أوضاعنا ما لم تتبدل.

رفع الدعم عن أسعار السلع الرئيسيّة قد لا يرضي كثيرين اليوم، لكن هذا مستقبلهم، ومستقبل أبنائهم. وحتى لو ارتفعت أسعار النفط، ومعها زادت المداخيل الحكومية، فإن العودة لسياسات الدعم والاقتصاد الريعي ليس في صالح المواطنين، ولا يخدم مستقبل البلاد. الهدف بناء اقتصاد حقيقي يقي الأجيال المقبلة شرور تقلبات الزمن، بأقل قدر من الاعتماد على مداخيل البترول وبأقل قدر من الاعتماد على عون الحكومة أيضاً.

لا بد من أن يكون لنا مكان تحت الشمس، والعالم لا يحترم إلا الدول المتفوقة. أما الإعلام فإنه لن يكف عن هزئه إلا عندما يرى هذه الدول قادرة على إثبات نفسها، وهي عندما تفعل، وتقف شامخة ناجحة، تبالي أقل بصورتها ورأي الآخرين فيها.

الاقتصاديون المتشككون يعتقدون أنها أفكار لا تناسب مجتمعنا، ولا يمكن أن تتحقق في ظل ثقافة اتكالية بنيت على مداخيل النفط، أيضا نستطيع أن نتفهم شكوكهم. فالتغيير صعب، لأن جزءاً كبيراً منه يقوم على تطوير الفرد والمجتمع وليس فقط بناء المدن الحديثة واستيراد التقنية المتطورة. كل ما نعرفه يحتاج أن يتغير؛ التربية، والتعليم، ومعها زرع مفاهيم جديدة، وهي أصعب مما نتخيله.

فالهدف الأخير أن يخرج هذا المجتمع من الشرنقة التي عاش فيها، عالة على الحكومة، التي هي عالة على مداخيل سلعة واحدة مصيرها في أيدٍ بعيدة، تحكمها تقلبات السوق وتطورات التقنية.

هذه مرحلة انتقالية، زمنها المرسوم اثنا عشر عاماً، تستحق أن نعتبرها حالة طوارئ تستوجب من الجانبين التحمل والمثابرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانتقاد والانتقال الصعب الانتقاد والانتقال الصعب



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon