اهتز جبل عزان، جنوب حلب، في عملية عسكرية غامضة استهدفته قبل يومين، ومع أن مصدراً سورياً ادعى أن الوميض الهائل جاء من تماس كهربائي، إلا أن هذا التبرير الساذج لم يخف إنه كان قصفاً عسكرياً. ولأن لا أحد أعلن مسؤوليته فقد رجح أن إسرائيل خلف الهجوم.
أهميته إنه استهدف قاعدة عسكرية استراتيجية للحرس الثوري الإيراني، التي يبدو أن سكانها كانوا قد أخلوها قبل أيام على عجل، نتيجة إعلان البيت الأبيض عزمه توجيه ضربات رداً على استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي في دوما.
في سوريا توزعت العمليات العسكرية هذا الأسبوع، حيث اقتصر القصف الأميركي البريطاني الفرنسي على المراكز المرتبطة بالسلاح الكيماوي من معامل ومصانع ومخازن. وركزت إسرائيل في هجماتها العسكرية على الوجود الإيراني، ولم تستهدف قوات النظام السوري. القوات الروسية، بطبيعة الحال، لم تكن هدفاً، وهي بدورها لم تعترض القصف أو تتحداه دفاعاً عن حلفائها.
الأهم، يمكننا أن نقرأ توجهات ريح جديدة من إعلان إسرائيل، يوم الجمعة الماضية. فقد أعادت الحكومة فتح حادثة درون إيرانية شهر فبراير الماضي، واعتبرتها سابقة خطيرة «وأنها تدخل البلدين في حالة مواجهة عسكرية مباشرة مفتوحة لأول مرة».
إسرائيل ركزت على حادثة الدرون قائلة إنها «طائرة إيرانية مسلحة دخلت الأجواء الإسرائيلية»، وأنها ليست فقط مجرد درون تصوير وجمع معلومات. وقالت إن كل التحليلات التي قامت بها تظهر أنها أرسلت في عملية عسكرية وهو ما اعتبرته تطوراً خطيراً في الحرب. ويبدو أن الإسرائيليين أخيراً قد تبنوا سياسة مواجهة إيران في سوريا، ما سيخلط الأوراق من جديد.
والحرس الثوري، في حالة نادرة، كان قد اعترف بمقتل سبعة من عسكره في قاعدة «تي فور» في محافظة حمص، ومع هذا لم يرد رغم توعده إسرائيل. كما إن حليفه الروسي لم يدافع عنه. وهذه التطورات تعيد للأذهان الصورة الباسمة، صورة النصر للرؤساء الثلاثة، الروسي بوتين والإيراني روحاني والتركي أردوغان.
فقد اجتمع «المنتصرون» في أنقرة قبل أسبوعين وتحدثوا عن سوريا كما لو أن الحرب حسمت وانتصروا فيها. ها نحن نرى الوضع يتعقد. وقد يتبدل بعد الهجوم الثلاثي الأميركي البريطاني الفرنسي، رداً على استخدام الأسد السلاح الكيماوي، وبعد التدخل الإسرائيلي، بحجة الدرون الإيرانية.
الإسرائيليون يدخلون بشكل حذر وفاعل أكثر من أي وقت مضى. وهذا العامل الجديد سيكون له كلمة مهمة في مصير إيران في سوريا. ورغم أن نيران إسرائيل أصغر بكثير من القصف الثلاثي تبقى أهدافها أكثر حسماً وأهمية.
الحكومة الإسرائيلية كانت تقف موقف المتفرج، معظم الأحيان، خلال سبع سنوات من الحرب في سوريا. وكانت تحذر الأطراف بعدم التعرض لحدودها أو مناطقها الموازية. وقد التزم المتحاربون بعدم تخطي الخطوط الحمراء الإسرائيلية بما فيهم «داعش» و«جبهة النصرة» والحرس الثوري الإيراني، إلا من مواجهات محدودة.
وكان الوضع مناسباً لإسرائيل باستمرار القتال بين أعدائها. لكن يبدو أن حسم الحرب لصالح إيران تحديداً، واكتفاء تركيا بتنظيف مناطقها الحدودية من المتمردين الأكراد، جعلها تعيد استراتيجيتها.
بالنسبة للقيادة الإيرانية استراتيجيتها تطمح للسيطرة على مناطق غرب إيران، العراق وسوريا ولبنان، حتى تعطيها ميزة تفاوضية مع إسرائيل. وهو مشروعها القديم في لبنان وغزة من خلال «حزب الله» وحركة «حماس».
هجمات إسرائيل، حتى الآن، قليلة ووجهت نحو قوات الحرس الثوري الإيراني، وميلشياته من «حزب الله» اللبناني، و«عصائب الحق» العراقية، و«الفاطميون» الأفغانية وغيرها. ومع أنه قلما يعرف عن ضربات إسرائيل من الطرفين، الضارب والمضروب، فإن هناك ما يكفي مما تسرب للإعلام من أطراف اخرى.
والأرجح أن المعارضة السورية المسلحة، هي الأخرى، ستعاود عملياتها مستفيدة من الوضع الجديد. الضغط على إيران هائل جداً، وفي رأيي، ما لم تتراجع وتعلن عن انسحابات جزئية من سوريا فإننا أمام جولة أخرى من الحرب الإقليمية داخل سوريا تحديداً ضد إيران و«حزب الله». ولا ننسى العقوبات الاقتصادية التي بدأت توجع النظام حيث هبط التومان الإيراني إلى أقل سعر له في تاريخه.
نقلا عن البيان الاماراتية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع