توقيت القاهرة المحلي 20:29:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دور الحكومة ليس بناء المساكن

  مصر اليوم -

دور الحكومة ليس بناء المساكن

عبد الرحمن الراشد

للناس في كل أنحاء العالم حلم يشتركون فيه، وظيفة وبيت. وحلم المواطن في السعودية الشيئان نفسهما، لهذا ضربت الحكومة على صدرها وأعلنت أنها ستمكن ملايين من مواطنيها من السكن.. وصارت قضية، لماذا وعدت وتأخرت؟.. ولماذا لم تصرف مال القروض الموعودة، حيث أنفقت أقل من ثلاثة مليارات من الستة وستين مليار دولار الموعودة؟ ومع أن أسعد الناس هم الذين لا يعرفون الحكومات ولا تعرفهم، فإن هذا الأمر صار مستحيلا، ففي الماضي كان السواد الأعظم فلاحين ورعاة يستطيعون العيش مستقلين تماما. اليوم تدير الحكومة كل تفاصيل حياتهم الصغيرة، ومن الطبيعي أن تصبح مسؤولة ومساءلة عن حاجاتهم وأحلامهم. مشروع الإسكان عمل تنموي واقتصادي واجتماعي، وبالطبع سياسي، لو وفت به الحكومة ربما يكون من أضخم المشاريع في العالم. يوجد خياران لتحقيقه، أن تمنح المواطن المال أو تعطيه المفتاح. الأفضل أن تمنحه نصف مليون ريال وتتركه يتدبر أمره، مع حرصها على ضبط أسعار مواد البناء الأساسية. والخيار السيئ أن تتولى الحكومة بنفسها البناء. قبل ثلاثين سنة كانت هناك تجربة عمرانية جديدة عندما تولى كل مواطن سعودي بناء بيته مستفيدا من الإقراض الحكومي بلا فوائد بنكية، وهكذا بنيت معظم المدن الجديدة. أما ما بنته الحكومة حينها فقد كان مشروعا فاشلا، بشهادتها، أبقت عليه مغلقا لسنين طويلة. الحال لن يتغير كثيرا اليوم مهما استعارت من تجارب صينية وآيرلندية، أو جلبت شركات عالمية وأنفقت عليها بكرم. البيت بتفاصيله اختيارات شخصية، ولا يمكن فرض ذوق مهندسي الحكومة على الناس. وحتى بعد بنائه وتسليم أفضل ما يمكن بناؤه ستواجه الأجهزة الرسمية إشكالات مؤكدة في توزيع العناوين، والأماكن، وستلام لسنوات مقبلة في كل مرة تتعطل فيها حنفية ماء أو تتسرب من شقوق السكن مياه الأمطار، وسيعلو الصراخ باتهامات الفساد وكيل الشتائم للحكومة بدل كلمة الشكر. لماذا تضع الحكومة نفسها في موقف المتهم أصلا، وهي تستطيع ترك الناس يقررون لأنفسهم ماذا يريدون ويبنون بيوتهم؟! ومن بين القرارات الإيجابية تلك التي سمحت لطلاب القروض بأن يشتروا بدعم الحكومة مساكن مبنية بدلا من شرط تملك الأرض أو بنائها، فسهلت عليهم. وبإمكانها أن تضيق على المتاجرين بقروض الحكومة فتمنع بيعها، كما تفعل حكومة أبوظبي، لأن البيت للسكن، أو أن تشترط زمنا للسكن فيه كحد أدنى. أما تولي الحكومة مهمة البناء فالأفضل لها أن تتعظ من غيرها، فلم ينجح أبدا نهج الدول الاشتراكية التي جربت أن تكون راعية حاجات الناس بحجة أنها أكثر عطفا وعدلا من أهل السوق. كانت تمد لهم الكهرباء والغاز، وتخبز لهم الخبز، وتبيعهم السيارات، وتبني لهم المساكن، وانتهت بالفشل لأنه مع توسيع خدماتها تنتشر المحسوبية والفساد وعدم الفعالية، ويتناقض ذلك مع رغبة الإنسان في أن يكون حرا في اختياراته. الأفضل أن تمكن الناس من البناء بتهيئة السوق والقوانين وتمنع الاستغلال وتضبط الأسعار. طبعا، هناك جملة أسئلة معقولة مضادة لفكرة ترك المواطن يتدبر بيته بنفسه بعد إقراضه.. فكيف يمكن حل إشكالات صعبة مثل تأمين الأراضي للبناء مع ارتفاع أسعارها؟ الحقيقة أن الأجهزة الحكومية هي السبب في ارتفاع الأسعار، حيث تمنع البناء العمودي، أي تعدد الأدوار، في المدن، وفي الوقت نفسه تسمح لملاك الأراضي البيضاء الضخمة بالنوم عليها، فلا رسوم أو ضرائب، فيضطر الناس لشراء المزيد من الأراضي والأسعار ترتفع وترتفع. وكل الأعذار بمنع الارتفاعات واهية، وكل الأعذار برفض ملاحقة تجار الأراضي أيضا واهية. الآن، أمام الدولة فرصة ذهبية لتعيد ترتيب الأوضاع بشكل شامل ومترابط. لديها سكك حديدية يمكن أن تكون هي بوصلة الحركة، وتقرب المسافات البعيدة، فتبني ضواحي جديدة على طول خطوط القطارات. لها أن تغلق كل المناطق بمحاذاة السكك الحديدية الموعودة، داخل المدن وخارجها، فتنزعها وتخصصها للمنح. وخلال سنوات بناء مشروع القطارات يتم بناء الخدمات التحتية للإسكان من مياه وكهرباء، ويتم أيضا منح القروض وتوزيع الأراضي في المناطق البعيدة. وخلال ثلاثة أعوام ستصبح مناطق مأهولة مترابطة بالمدن. لهذا على الدولة أن تترك للناس أن يتدبروا بناء مساكنهم، لا أن تلعب دور الأب ثم تتفاجأ غدا بالشكاوى والشتائم! نقلاً عن جريدة "الشرق الاوسط"  .

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دور الحكومة ليس بناء المساكن دور الحكومة ليس بناء المساكن



GMT 20:20 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

انتخابات النمسا وأوروبا الشعبوية

GMT 19:55 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

مصر واليونان وقبرص.. وتركيا

GMT 15:37 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

لبنان.. عودة الأمل وخروج من الأسر الإيراني

GMT 15:33 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

ليلى رستم نجمتنا المفضلة

GMT 08:16 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

انتخابات النمسا وأوروبا الشعبوية

GMT 08:14 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

معضلة الدستور في سوريا

GMT 08:11 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تقاتلوا

GMT 08:10 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

سوريا بعد الأسد واستقبال الجديد

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:59 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تصريحات فيفي عبده تتصدر التريند
  مصر اليوم - تصريحات فيفي عبده تتصدر التريند

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 20:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

أنجلينا جولي تكشف عن شعورها تجاه عملها بعد رحيل والدتها

GMT 15:48 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

ليونيل ميسي يختار نجمه المفضل لجائزة الكرة الذهبية 2024

GMT 13:55 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

اتفاق رباعي علي خارطة طريق لإيصال الغاز إلي بيروت

GMT 06:11 2020 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الشكشوكة التونسية

GMT 19:44 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل العثور على "سوبرمان هوليوود" ميتاً في صندوق
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon