عبد الرحمن الراشد
قبل أشهر كانت قراءتي عندما قلت بتورط الحكومة العراقية في سوريا خدمة للنظام الإيراني، بلا أسانيد كافية، بنيتها على روايات ونشاطات إيرانية - عراقية في مصر ولبنان وغزة وسوريا. اليوم الصورة أوضح والأدلة كثيرة، حكومة نوري المالكي بالفعل تلعب دورا ضخما في مساندة المشاريع الإيرانية، من التمويل المالي الكامل إلى حد التورط العسكري في مقاتلة الشعب السوري.
المالكي، الذي يفترض أنه رئيس وزراء ائتلافي، لأن حزبه «الدعوة» لم يحقق النصاب الكافي لتولي المنصب، تحول تدريجيا إلى ديكتاتور بكامل الصلاحيات. وهو مثل رئيس كوريا الشمالية، رئيس وزراء، ووزير للدفاع، على اعتبار أن ترك سعدون الدليمي وزيرا بالوكالة لا يعتد به. وهو الآن وزير المالية بعد أن اتهم الوزير رافع العيساوي بأنه إرهابي. ومنذ البداية أمسك في يده بصلاحيات الأمن والاستخبارات، والأغرب أنه كذلك رئيس البنك المركزي.. بسبب نهمه للسلطة الذي لا نظير له أبدا، تحت زعم الديمقراطية الانتخابية التي أصلا فشل فيها، حيث حصل على مقاعد أقل من منافسه الدكتور إياد علاوي، يتصرف اليوم بديكتاتورية، والأسوأ أنها في خدمة النظام الإيراني.
ولأن إيران محاصرة اقتصاديا بسبب مشروعها النووي، ولا تستطيع بيع النفط إلا القليل منه، ولا المتاجرة مع العديد من دول العالم، بل ولا تستطيع تحويل الدولار نتيجة الحظر والملاحقة الأميركية، فإن المالكي أصبح يقدم لها هذه الخدمة مجانا، ينفق على مشاريعها السياسية من أموال الشعب العراقي مليارات الدولارات. الفواتير الإيرانية أرسلت للمالكي يدفعها بالنيابة، لحزب الله، وحركة حماس، وقدم عرضا بثلاثة مليارات دولار للرئيس المصري محمد مرسي، مجانا، في حين أن قطر التي تلام على دعمها مرسي قدمت مبلغا مثله لكن بفائدة بنكية عالية. وعقد المالكي صفقة سخية مع موسكو لشراء أسلحة، ومول نظام الأسد بما يحتاجه مالا وذخائر، وتكفل بمصاريفه الخارجية، وينقل له الوقود بلا توقف منذ نحو عامين، لهذا لم تتوقف الآليات العسكرية السورية عن الحركة رغم توقف مصافيها البترولية.
لقد نجح المالكي في رفع الحصار على إيران التي استمرت في مغامراتها العسكرية الخارجية. ونجح في تبديد أموال الشعب العراقي الذي لا يزال من أفقر الشعوب العربية، تحت المالكي الذي يحكم العراق بلا منافس منذ عام 2006، وهو صاحب كل القرارات بلا منازع، وتحت يده ثروة لم تشهد البلاد مثلها في الـ100 سنة الماضية. حتى عندما غادر الأميركيون سلموه نحو سبعين مليار دولار مما تبقى من أموال، فضلا عن أنه يبيع من النفط حتى أكثر من دولة الكويت!
المشكلة ليست الحرمان والفقر فقط، بل الاستقرار المفقود بسببه. وكأن الشعب العراقي لا يكفيه ثماني سنوات حرب خاضها الديكتاتور الذي سبقه، صدام حسين، ضد إيران، واثنا عشر عاما ما بين حرب الكويت وما تلاها، ثم سبع سنوات من مواجهة للإرهاب بعد سقوط صدام. كأن سنين الدم والفوضى لم تعلم المالكي شيئا حتى يمنحه الإنسان العراقي، فيمنحه الأمن والسلام والتنمية، بل فتح معارك شخصية ضد زعامات سنية وكلهم كانوا حلفاءه مثل المطلك والهاشمي والعيساوي، وضد زعماء شيعة مثل السيد مقتدى الصدر، وكذلك شركائه الأكراد الذين مكنوه بأصواتهم من أن يصبح رئيسا للوزراء. وبعد أن شق البلاد يفتح الآن معركة جديدة دعما لنظام الأسد الساقط في سوريا. فقد فاجأ العالم الأسبوع الماضي بإرسال قوة هائلة، عشرين ألف جندي، بصفته وزير دفاع وقائدا للقوات المسلحة، إلى الحدود مع سوريا تحت عنوان ملاحقة «القاعدة». طبعا، لا توجد «قاعدة»، فالمقصود هنا الثوار السوريون، وقام بـ«تحرير» قرى خسرتها قوات الأسد، ويحاول فتح المعابر التي سقطت، ثم الانتقال إلى ما وراء ذلك في حرب جديدة!
إنه الآن، بالاشتراك مع حزب الله، يقاتل إلى جانب قوات الأسد في سوريا خدمة للنظام الإيراني الذي تعهد أنه لن يسمح بسقوط الأسد مهما كلفه من دماء اللبنانيين والعراقيين، ومن أموال البنك المركزي العراقي!