عبد الرحمن الراشد
الجديد ليس المطالبة بإعطاء المرأة حق الجلوس خلف مقود السيارة، الجديد أن من وقف وطالب بهذا الحق هن ثلاث سيدات سعوديات عضوات في مجلس الشورى، ولسن مثل فتاة «الكييك» الشهيرة، أو الكاتبات الشرسات في الصحافة السعودية. كثيرون، وكثيرات، عبروا عن هذه الرغبة، ودافعوا عن هذا الحق لسنوات، إنما المفاجأة أن عضوات المجلس قدمن رسميا، الذي يعني تفعيل دورهن التمثيلي كنساء والتشريعي كمجلس شورى. في هذه القضية الحساسة نحن أمام مجلس شجاع، وسيدات شجاعات. فالدعوة لم تعد صوتا خاصا بالمثقفين، أو العقلانيين، أو العصرانيين، أو الليبراليين، أو التغريبيين، أو المتأمركين، أو المغتربين، أو النساء الفمينست، أو الصحافيين الأجانب، أو جمعيات حقوق الإنسان.
الذي يحدث أن المجتمع السعودي خلال سنوات الحوار الـ10 الماضية، كسر المحرم اجتماعيا وسياسيا، وانخرط يناقش صراحة هذه الإشكالية الاجتماعية، ونتيجة للنقاش المسموح والمفتوح تبدل رأي وموقف شريحة كبيرة من الممانعين، الذين كانوا النسبة الأكثر سابقا. والمسائل الاجتماعية هنا لا تقاس بالاستفتاءات أو نسبة الأكثرية، فالأقلية المحافظة قادرة على ردع أي فكرة تحديث جديدة، وتاريخ المملكة كله مليء بمثل هذا التنازع الاجتماعي بين القديم والحديث، تقريبا حول كل شيء!
وعندما أدخل الملك عبد الله بن عبد العزيز النساء إلى مجلس الشورى مطلع العام الحالي، وعين 30 سيدة دفعة واحدة، أي 20 في المائة، أحدث القرار صخبا كبيرا في كل أدوار المجتمع المحافظ. وقد ظن البعض أنهن مجرد عرائس زينة لكنهن كن أكثر الأعضاء نقاشا. اليوم، ثلاث منهن ألقين قنبلة مدوية عندما قدمن طلبا بإعطاء المرأة حق قيادة السيارة، ليصبح الأمر أكثر من مجرد نقاش بين حفنة من المثقفين. وهذا يذكر الدولة بأن واجبها أن تكون قائدة التطوير، بما قد يعنيه هذا الدور من أنها ستواجه موجة احتجاجات معارضة صادقة، واحتجاجات معارضة انتهازية، تقف دائما في الجانب الآخر.
كان، ولا يزال، يحتسب للدولة منذ تأسيسها أنها من قاد حركة التطوير، وكانت في كل مرة تفعل تواجه معارضة من فئات من المجتمع، بعضها حمل السلاح ضدها. لم تتراجع أبدا، وكانت تكسب في كل مرة، من فتح مدارس للبنات إلى منح المرأة بطاقة هوية، وتعيينها في مناصب رسمية عليا في الدولة.
قيادة المرأة للسيارة معركة قديمة مؤجلة منذ الستينات، ربما على أمل أن يأتي الوقت المناسب للسماح بها، أو عسى ولعل أن تظهر السيارة الإلكترونية بلا سائق، لترتاح الحكومة من المواجهة. مع الوقت كبرت المشكلة ولم تصغر، حيث زاد انشقاق المجتمع، وكبر الثمن الذي تدفعه الحكومة والمجتمع بسبب المنع. بمليون أجنبي يجلبون لقيادة النساء صارت السعودية أكبر دولة للسائقين في العالم، وفيها أكبر نسبة للنساء العاطلات عن العمل في العالم!
وسواء استمعت الحكومة لتوصيات السيدات الثلاث أم لا، فإن قيادة المرأة للسيارة أصبحت قضية رأي عام سعودي محلي كبير. وثمن الهروب من منح هذا الحق للمرأة صار يكلف الجميع الكثير اقتصاديا وسياسيا. أيضا، لا تنسوا أن الصورة لم تعد منطقية، أن تبعث الحكومة بعشرات الآلاف من الفتيات للدراسة في جامعات كبيرة في الخارج، مثل هارفارد وكمبردج، ثم تمنعهن الحكومة من قيادة السيارة في الداخل!
نقلاً عن "الشرق الأوسط"