عبد الرحمن الراشد
يجب ألا تتغيبوا عن «جنيف 2»، لأننا سنناقش فيه مسائل الحكم والجيش والأمن في سوريا الانتقالية. هذه نصيحة رئيس الدائرة السياسية في الأمم المتحدة جيفري فيلتمان للمعارضة السورية التي أصبحت تحت ضغوط شديدة بعدم المشاركة. بعكس ذلك، يقول فيلتمان، وهو من أكثر السياسيين دراية بالتفاصيل السورية، إن أهمية المؤتمر المقبل أنه سيقرر شكل سوريا الجديدة؛ فيه ستناقش الصلاحيات التنفيذية الكاملة للهيئة الحاكمة الانتقالية في سوريا، والتي على مؤتمر «جنيف 2» أن يؤسسها، مثل: لمن ستكون السلطة على الجيش والقوى الأمنية. المؤتمر هدفه إطلاق عملية سياسية بقيادة سوريا «ليس لإدارة الوضع القائم، بل للوصول إلى سوريا جديدة»، كما قال فيلتمان للزميلة «الحياة».
بالنسبة لرئاسة الائتلاف ومعظم الأعضاء يدركون أن الغياب سيمكن فقط النظام السوري من كسب المعركة السياسية، وسيكون من الصعب لاحقا تصحيح الهياكل التي يتم الاتفاق عليها. وهذه القيادات السورية المعارضة تواجه حملة شديدة من أطراف في المعارضة تتعمد إحراجها واتهامها حتى لا تشارك، نتيجة التنافس السياسي بينها داخل المعارضة، وليس فعلا عن قناعة بأن المؤتمر عملية مرفوضة. وقد استخدموا لهذا الغرض أسلحة التخوين الكلامية التي شاعت أخيرا، وبعضهم لجأ إلى التشكيك بحقهم في المشاركة دون تفويض! وهناك فريق غاضب ويائس لا يريد المشاركة في أي عملية سياسية لكنه في الوقت نفسه لا يطرح البديل الذي هو قادر على إنتاجه.
في مؤتمر لندن سعت المعارضة إلى إلزام الأطراف الرئيسية بوضع حد زمني من ثلاثة أشهر لمثل هذه العملية السياسية حتى لا يحولها الخصوم، مثل الروس، إلى لعبة وقت لا تنتهي، لكن الطرف الأميركي لم يكن راغبا في تقييد نفسه بزمن محدد. حتى مع هذا الإخفاق تستطيع المعارضة الانسحاب متى ما اعتقدت أن الوقت طال بلا طائل، أو أنها رأت أن مسار المفاوضات لاحقا لا يصب في مصلحة الشعب السوري وتوقعاته. وإذا كانت المعارضة لم تحصل على ضمانات قبل الجلوس على الطاولة فإنها قد كسبت أن المؤتمرين قد أقروا بأحقية الائتلاف في تمثيل المعارضة، بوصفه من يمثل «أساس وقلب» المعارضة، وقطعوا بذلك الطريق على دكاكين المعارضة الوهمية التي اخترعها النظام السوري وسعى الإيرانيون للترويج لها. لكن لن يكون الطريق سهلا، خاصة أن النية في إعادة تركيبة ائتلاف المعارضة بإدخال جماعات معارضة مسلحة لتعزيز وضعه كممثل لكل القوى على الأرض.
وما يقوله فيلتمان صحيح من حيث ضرورة المشاركة وعدم ترك هذه المناسبة التي تجتمع فيها قوى العالم الكبرى لإقرار مصير سوريا وهم بعيدون عنها، لكن أيضا على المعارضة أن تدفع القوى الموالية لها، مثل الدول الخليجية، برفع الدعم العسكري حتى لا تمر الأشهر المقبلة بانتصارات لجيش الأسد تعزز وضعه التفاوضي. الوضع على الأرض سيلعب دورا مهما خلال فترة المفاوضات، وما قاله الرئيس بشار الأسد من أنه سيرشح نفسه للانتخابات يعني أنه ينوي مضاعفة نشاطه القتالي، وهو الذي لاحظناه لاحقا.
نقلاً عن جريدة الشرق الأوسط