توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السعودية وتركيا والزعامة

  مصر اليوم -

السعودية وتركيا والزعامة

بقلم-عبدالرحمن راشد

الزعامة حكاية قديمة ومستمرة في الخيال الإعلامي، إنما الزعامة هي نتيجة وليست قراراً. وحتى قبل أزمة مقتل جمال خاشقجي، والحديث يدور حول وجود التنافس على الزعامة. فهل هي حقيقة أم وهم، وما معاييرها؟

في مفهوم الزعامة في منطقة الشرق الأوسط الكثير من التخيل المستنسَخ من عصور الإمبراطوريات، ومعظمه دعائي سياسي إعلامي.
هناك معايير في قياس مفهوم القوة، العظمى وهي الولايات المتحدة، والقوى الكبرى مثل روسيا والصين والاتحاد الأوروبي. تقاس بالتفوق العسكري والاقتصادي والتكنولوجي والثقافي وليست بالقوة النووية فقط أو بالتضخيم الإعلامي. وفي حال أردنا أن نطبّق هذه المعايير في منطقتنا سنرى أمامنا مجموعة من القوى الإقليمية لا واحدة متفوقة. والتفوق العسكري مثلاً لا يكفي وحده، فإسرائيل هي القوة الإقليمية الأقوى عسكرياً وتقنياً، لكنها تبقى صغيرة المساحة ومحاصَرة وليست قوة اقتصادية إقليمية. تركيا كبيرة وتملك رابع جيش في العالم وعضو في الناتو، لكنها، مثل إيران، لا تشارك دول المنطقة اللغة وتعاني من محددات جيوسياسية تحدّ من نفوذها، كما رأينا عجزها في حرب سوريا. إيران كبيرة وطموحة للزعامة عوّلت على القوة أربعين سنة وهي اليوم قوة منتشرة، لكنها أفقر بلد في المنطقة. في الشرق الأوسط عدة رؤوس، وليس زعيماً واحداً ولا أمة قائدة واحدة. حلم الزعامة هو الذي دمّر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ومشروعه في امتحان واحد، حرب 67، لأنها زعامة بُنيت على الدعاية.

ماذا عن تركيا والسعودية؟ كلا البلدين يملك مقومات القوة: المساحة، والسكان، والجغرافيا، والموارد الهائلة، والاستقرار الداخلي، وقوة النظام السياسي، مع هذا لا أجد مجالاً للقبول بدعوى التفوق والزعامة في الإقليم. أما زعامة المسلمين في العالم فهي عبارة مجازية، روحياً السعودية هي القائدة لأن فيها الأماكن المقدسة يصلي باتجاهها مليار مسلم خمس مرات في اليوم ويحجون إليها، تركيا لا تملك شيئاً مقدساً للمسلمين. اقتصادياً السعودية أكثر تأثيراً، وقد حاولت تركيا أن تكون قوة اقتصادية، فتمددت من كردستان العراق إلى ليبيا لكنها خسرت استثماراتها مع حروب الربيع العربي. وهي الآن تحاول التمدد عسكرياً على حساب قطر في البحر الأحمر والخليج، لكننا نعرف أن هذا وضع مؤقت وبعد سنوات قليلة ستتوقف الدوحة بعد تبديد مدخراتها وتنسحب تركيا. السعودية حاولت سياسياً بناء جبهات لكنها الأخرى عانت وعجزت عن توحيد صف المجموعة الموالية لها.

بعكس إيران وتركيا، تقوم السياسة الخارجية السعودية على مفهوم دفاعي وليس هجومياً. تبني شبكة معقدة من التحالفات وبوسائل متعددة، مثل تحالف حرب في اليمن، وتحالف لمواجهة صدّام عقب احتلاله الكويت، ومواجهة إيران اليوم. في نظري لن تستطيع قوة إقليمية تحقيق الزعامة مهما كانت مسلحة حتى أضراسها وجائعة للسيطرة والتوسع، مثل إيران. فالكلفة عليها عالية جداً، وقد تتسبب في انهيار الدولة، وهذا ما أصاب نظام صدام حسين في العراق المهووس بالقوة والزعامة، فأمضى كل سنوات حكمه في حروب ضخمة وخاسرة. لهذا لا تعدو المراهنات على زعامة المنطقة كونها تخرصات صحافية أو طموحات جاهلة.
عدا ما يُكتب إعلامياً، لا توجد منافسة تركية سعودية حقيقية على الزعامة، هناك تنافس على قضايا وملفات، وهناك توافق على أخرى، إلى حين وفي انتظار تفاعلات قضية خاشقجي. وهذا ما رمى إليه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عندما قال بأن هناك من يحاول خلق شرخ مع تركيا. لأن سياسة الرياض دفاعية عن حدودها وفلكها الإقليمي وليست منافساً لتركيا، وهذا يفسر لماذا معظم تركيزها ينصبّ على مواجهة إيران، على أمل أن يتخلى النظام هناك عن سياسته العدوانية التوسعية، أو أن تتم محاصرته وتقليل أضراره على المملكة والمنطقة.

الزعامة الحقيقية نتيجة نهائية وليست قراراً رئاسياً، تعكسها قدرة الدولة على تفوق اقتصادي وعلمي وتقني وصناعي وعسكري وثقافي ودبلوماسي، ولا يمكن أن تنجح دولة وحدها ما لم تصل نجاحاتها إلى المنطقة أيضاً. كما قال الأمير: دبي نموذج ومختبر، والسعودية أو مصر رافعة لكل المنطقة. وستبقى الزعامات أساطير إعلامية.

نقلا عن الشرق الاوسط

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السعودية وتركيا والزعامة السعودية وتركيا والزعامة



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon