توقيت القاهرة المحلي 21:44:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إشكالية العفو عن القتلة

  مصر اليوم -

إشكالية العفو عن القتلة

عبد الرحمن الراشد

هذه قصة بشعة أخرى في عالم الإجرام تعطينا الحق في أن نتساءل: ألم يحن الوقت لإعادة النظر في الأحكام التي تسمح للمجرمين أن يطلق سراحهم بحجة عفو أهل الدم، أي الضحية، دون احتساب مقصد العقوبة نفسه، وأن للمجتمع حقا لا يقل أهمية عن حق أهل الدم؟
قبل خمس سنوات قتل أربعة رجال خادمة إثيوبية، جريمة وصفتها الشرطة بأنها «واحدة من أبشع جرائم التعدي الجنائي والاغتصاب» التي شهدتها المجتمعات الخليجية. فقد عثر على فتاة عشرينية مهشّمة الرأس، وطعنت في أماكن مختلفة من جسمها، وحاول الجناة أيضا شنقها من رقبتها. جريمة مروعة تدل على أن فاعليها مجرمون عتاة يجب أن يحاكموا دون شفقة.

فالفتاة خادمة لم يمض على وصولها إلى الدولة الخليجية إلا ثلاثة أشهر، وعثر عليها مقتولة بعد أن أبلغ مخدومها عن اختفائها، وقد عثرت عليها الشرطة جثة ممثلا بها. كشفت التحريات أن الجريمة لم تكن بنت اللحظة، بل خطط لها الجناة واشتركوا في تنفيذها. وتأكيدا على تأصَل الإجرام عندهم، فقد اتضح أن أحد المتهمين سبق له أن ارتكب جريمة بشعة مماثلة من قبل، فقد أدين قبلها باثني عشر عاما. خطف فتاة باكستانية عمرها 13 عاما وقتلها بمشاركة اثنين بنفس البشاعة. حينها، حكمت عليهم المحكمة بالإعدام، وأعدم اثنان، وأفلت الثالث في ساعة القصاص بعفو من ولي الدم، وأطلق سراحه بحجة تنازل ولي الدم، ليعاود ارتكاب جريمة أخرى، ويستمتع بنفس الحكم وهو الإعفاء من الإعدام بعفو أَهل الضحية.

نحن لا نخص مرتكبي هذه الجريمة وحدهم بالاستنكار ونطالب بتشديد العقوبة، وإن كان واجبا تطبيق أقسى العقوبة في حقهم، بل نأمل أن يعيد القائمون على القضاء النظر في مفهوم العقوبة في الحق العام. فكيف يمكن لأناس يقتلون عن عمد وتدبير، وبدافع شهوة القتل، أن يفلتوا من العقوبة القصوى. بل يفلتون من أي عقوبة قاسية بعد سنوات قليلة من السجن، ويتم إطلاق سراحهم فقط لأن ولي الدم عفا عنهم! ماذا عن حق المجتمع؟ أليس للشرع مقاصد في العقوبات؟ ألا يستوجب من مؤسسة العدل إحقاق الحق وتأمين الناس على أنفسهم، وردع أصحاب النفوس الدنيئة والنوازع الشريرة؟ فإطلاق سراح القاتل المجرم في الجريمة الأولى بعد بضع سنوات قليلة من سجنه هو الذي أدى إلى ارتكاب الثانية.

هناك حقان؛ خاص وعام، عند النظر في الجنايات الكبرى. فالخاص الذي يخص أهل الضحية، مثل ولي الدم، يعطيهم الحق في العفو عن القاتل، ونحن لا نستبعد أن بعض العفو ليس خالصا لوجه الله، فقد يكون خوفا من المجرمين وذويهم، أو عفوا بطمع في المال بعد أن أصبحت الديات تصل أثمانها عشرات الملايين. وحتى التنازل الصادق عن الحق الخاص يجب ألا يجعل السلطة، أي ولي الأمر، تخفف عقوبة الحق العام، فسجن قاتل مجرم، قتل شخصا بريئا عامدا متعمدا، 5 أو 10 سنوات فقط، يساوي بينه وبين مدان آخر في جناية سرقة.

وقد جعل هذا التراخي المجرمين يأملون فقط في عفو أولياء الدم لأنه وحده من يفك عن عنقهم حبل المشنقة، أما عفو الدولة فهو أقل أهمية لهم لأن العقوبة التعزيرية بذاتها مجرد بضع سنوات تحتسب فيها سنوات الإيقاف قبل الحكم. الجرائم أصبحت من البشاعة والكثرة مما يجعل القضاء مطالبا بأن يكون أكثر تشددا، وولي الأمر أقل ليونة عند إسقاط الحق الخاص، وأن تكون عقوبة السجن قاسية مثل ألا تقل عن 30 عاما، إحقاقا للحق، وحماية للمجتمع، والتفريق بين من سرق محلا وقتل إنسانا عن عمد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إشكالية العفو عن القتلة إشكالية العفو عن القتلة



GMT 08:58 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 08:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 08:43 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 08:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 07:32 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 07:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 07:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 07:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon