توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المالكي واتهامه السعودية

  مصر اليوم -

المالكي واتهامه السعودية

عبد الرحمن الراشد

حتى قبل أن يتسلم نوري المالكي رئاسة الوزراء في العراق، قبل ثماني سنوات، اختارت السعودية سياسة الابتعاد عن العراق، اعتقادا منها أنه وحل ورط الأميركيون أنفسهم فيه، وعليهم تدبر أمرهم هناك. وكان الأميركيون قد عرضوا على الجانب السعودي الانخراط، طالبين مساعدته في العملية السياسية لتشكيل العراق الجديد، بعد إسقاط نظام صدام حسين، إلا أن الرياض اختارت سياسة النأي بالنفس، واعتزلت تماما الأحداث هناك، إلى درجة أنها منعت رجال أعمالها من المتاجرة مع الجانب العراقي والأميركي، فذهبت كل عقود مليارات الدولارات إلى شركات كويتية وغيرها.
وحتى عندما مكن الأميركيون شخصية عراقية سنية عربية، شبه سعودية، هو غازي الياور الجربا، (درس وعاش في المملكة)، ليكون أول رئيس جمهورية للعراق بعد سقوط صدام، من خلال مجلس الحكم في عام 2004 - ظلت الرياض ترفض التعامل معه، وكان يزور السعودية بصفة شخصية لا رئاسية. وقد حاول كثيرون أن يثنوا الرياض عن سياستها الانعزالية والمشاركة في رسم مستقبل العراق، لكنها أبت.
إذن، لم تكن المشكلة موجهة ضد شخص المالكي، ولا ضد السياسيين الشيعة، بل كانت سياسة اعتمدتها الحكومة السعودية، بغض النظر عن حكمنا عليها، صحيحة أم خاطئة.
وبدل أن يشكر المالكي السعودية لأنها ابتعدت تماما عن المشهد العراقي، ولم تناصر أي فريق على مدى عشر سنوات، دأب على مهاجمتها، مع أنه يعرف أن دولة كبيرة ومجاورة الحدود لبلاده كالسعودية، وفيها مراجع دينية سنية كبيرة، وعلى علاقة خاصة مع الولايات المتحدة - كانت قادرة على تغيير المعادلة في سنوات الاحتلال وبعده، لكنها لم تفعل. وخطأ المالكي ليس أنه هاجم السعودية، فهذا تكتيك كان يلجأ إليه، هو وبعض وزرائه، لأغراض سياسية داخلية، الجريمة التي ارتكبها هي بحق مواطنيه وبلده. فهو على مدى ثماني سنوات تعمد ألا يجري مصالحة وطنية بعد أن أصبح قادرا على تحقيقها بسلطاته النافذة، ووجود نظام حكم واسع قادر على احتضان الجميع. عوض المصالحة والمشاركة، تبنى سياسة المركزية الشديدة لسلطاته، فلم يشرك معه أحدا مع أن حكومته جاءت كائتلافية. وأبقى على التوتر بين الجميع، ظنا منه أن ذلك يضعف منافسيه، فهو ليس بزعيم لحزبه «الدعوة» الذي ينتمي إليه، وليست له أهمية دينية، ولا هو الشخصية السياسية الوطنية التي يمكن أن يجتمع عندها السياسيون. انتهج سياسة طائفية، ولم يلاحق السنة الذين ناصبوه العداء قط، بل لاحق السنة العرب الذين قبلوا العمل معه، وتجرأوا على الوقوف ضد المتعصبين من أبناء طائفتهم، مثل صالح المطلك ورافع العيساوي والنجيفي وآخرين!
وفي رأيي، إن المالكي ليس بصاحب سياسة طائفية بمعناها الديني، بل هو سياسي حريص دائما على استغلال متعصبي الشيعة ليكونوا إلى صفه، في إطار التنافس الشيعي - الشيعي. فمنافسوه من قياديي الشيعة من بيوت دينية كبيرة، مثل السيدين مقتدى الصدر وعمار الحكيم، ويتبعهما ملايين العراقيين، وقد طورا مشروعا سياسيا أفضل من المالكي، والمفارقة أنهما أقل حرصا على الطائفية منه. هو يعتقد بمزايدته عليهما، وبقية القيادات الشيعية، باضطهاده السنة والمجاهرة بذلك، أنه يتكسب شعبيا، ويضع قيادات الشيعة الأخرى في الزاوية عند الشيعة المتطرفين والمحافظين، مستخدما لغة التخويف والتحريض والتوظيف.
ويؤكد هذا، أن المالكي همش أيضا معظم ممثلي الأحزاب الشيعية التي أوصلته لرئاسة الوزراء، باحتكاره السلطات، إلى درجة أنه أسس مكتبا في رئاسة الوزراء لإدارة الوزارات الرئيسة، ووضع ميزانية ضخمة خاصة له، وبذلك جرد معظم الوزراء من صلاحياتهم. هي نفس عقلية الاستيلاء على الدولة التي مارسها سلفه صدام حسين. وعندما وقعت الكارثة، بسقوط مدينة الموصل وما تلاها من مدن وقواعد، نقل اللوم على أكتاف قوات الجيش، وإلا فكيف يمكن لرئيس الوزراء أن يحاسب وزير الدفاع، وهو نفسه وزير الدفاع ووزير الداخلية والمالية والمخابرات؟!
لهذا، كان المالكي يبحث عن مخرج للتهرب من المسؤولية، ولو كانت الهزيمة في أي دولة أخرى لتمت محاكمته ومحاسبته. للإفلات من اللوم، اخترع رواية المؤامرة، لكن من المتآمر أو المتآمرون؟ لم يسمِ أحدا، لأنها رواية إذا خاض في تفاصيلها ليست مقنعة. فهو نفسه وزير الدفاع الذي انتقى كل قيادات الجيش، بمن فيهم الذين في الموصل وبقية محافظة نينوى، وخذلوه، وهم في معظمهم شيعة، وكذلك قيادات المخابرات العامة والعسكرية والأمنية. وعندما هوجمت حمص من فئة مسلحة قليلة، لم يحاربها الجيش، بل فرت قياداته تاركة آلاف الجنود محاصرين في خطر. فالجيش كان أيضا ضحية قرارات المالكي واختياراته، وفساد إدارته. وللتهرب، بدأ باتهام دول إقليمية، بما فيها السعودية، فكيف يمكن لدول، مثل السعودية، أن تتآمر في بلد عدد قواته أكثر من قواتها، ومدربة من الأميركيين؟ ولماذا تتآمر على تغيير النظام وهي التي رفضت عشر سنوات متتالية التدخل في تشكيل النظام عندما أتيحت لها فرص كثيرة؟
ختاما، العراق لا يحتمل المزيد من المشاكل، ولا المنطقة أيضا، وهو الآن على مفترق طرق؛ إما أن يلملم الأجزاء المكسورة ويبدأ معالجة الأخطاء الحقيقية، بالمصالحة الداخلية وتفعيل نظامه ليتسع للجميع، وإما أن يسير وراء الأكاذيب ليغرق في المزيد من المشاكل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المالكي واتهامه السعودية المالكي واتهامه السعودية



GMT 08:58 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 08:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 08:43 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 08:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 07:32 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 07:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 07:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 07:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon