توقيت القاهرة المحلي 15:20:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المالكي واتهامه السعودية

  مصر اليوم -

المالكي واتهامه السعودية

عبد الرحمن الراشد

حتى قبل أن يتسلم نوري المالكي رئاسة الوزراء في العراق، قبل ثماني سنوات، اختارت السعودية سياسة الابتعاد عن العراق، اعتقادا منها أنه وحل ورط الأميركيون أنفسهم فيه، وعليهم تدبر أمرهم هناك. وكان الأميركيون قد عرضوا على الجانب السعودي الانخراط، طالبين مساعدته في العملية السياسية لتشكيل العراق الجديد، بعد إسقاط نظام صدام حسين، إلا أن الرياض اختارت سياسة النأي بالنفس، واعتزلت تماما الأحداث هناك، إلى درجة أنها منعت رجال أعمالها من المتاجرة مع الجانب العراقي والأميركي، فذهبت كل عقود مليارات الدولارات إلى شركات كويتية وغيرها.
وحتى عندما مكن الأميركيون شخصية عراقية سنية عربية، شبه سعودية، هو غازي الياور الجربا، (درس وعاش في المملكة)، ليكون أول رئيس جمهورية للعراق بعد سقوط صدام، من خلال مجلس الحكم في عام 2004 - ظلت الرياض ترفض التعامل معه، وكان يزور السعودية بصفة شخصية لا رئاسية. وقد حاول كثيرون أن يثنوا الرياض عن سياستها الانعزالية والمشاركة في رسم مستقبل العراق، لكنها أبت.
إذن، لم تكن المشكلة موجهة ضد شخص المالكي، ولا ضد السياسيين الشيعة، بل كانت سياسة اعتمدتها الحكومة السعودية، بغض النظر عن حكمنا عليها، صحيحة أم خاطئة.
وبدل أن يشكر المالكي السعودية لأنها ابتعدت تماما عن المشهد العراقي، ولم تناصر أي فريق على مدى عشر سنوات، دأب على مهاجمتها، مع أنه يعرف أن دولة كبيرة ومجاورة الحدود لبلاده كالسعودية، وفيها مراجع دينية سنية كبيرة، وعلى علاقة خاصة مع الولايات المتحدة - كانت قادرة على تغيير المعادلة في سنوات الاحتلال وبعده، لكنها لم تفعل. وخطأ المالكي ليس أنه هاجم السعودية، فهذا تكتيك كان يلجأ إليه، هو وبعض وزرائه، لأغراض سياسية داخلية، الجريمة التي ارتكبها هي بحق مواطنيه وبلده. فهو على مدى ثماني سنوات تعمد ألا يجري مصالحة وطنية بعد أن أصبح قادرا على تحقيقها بسلطاته النافذة، ووجود نظام حكم واسع قادر على احتضان الجميع. عوض المصالحة والمشاركة، تبنى سياسة المركزية الشديدة لسلطاته، فلم يشرك معه أحدا مع أن حكومته جاءت كائتلافية. وأبقى على التوتر بين الجميع، ظنا منه أن ذلك يضعف منافسيه، فهو ليس بزعيم لحزبه «الدعوة» الذي ينتمي إليه، وليست له أهمية دينية، ولا هو الشخصية السياسية الوطنية التي يمكن أن يجتمع عندها السياسيون. انتهج سياسة طائفية، ولم يلاحق السنة الذين ناصبوه العداء قط، بل لاحق السنة العرب الذين قبلوا العمل معه، وتجرأوا على الوقوف ضد المتعصبين من أبناء طائفتهم، مثل صالح المطلك ورافع العيساوي والنجيفي وآخرين!
وفي رأيي، إن المالكي ليس بصاحب سياسة طائفية بمعناها الديني، بل هو سياسي حريص دائما على استغلال متعصبي الشيعة ليكونوا إلى صفه، في إطار التنافس الشيعي - الشيعي. فمنافسوه من قياديي الشيعة من بيوت دينية كبيرة، مثل السيدين مقتدى الصدر وعمار الحكيم، ويتبعهما ملايين العراقيين، وقد طورا مشروعا سياسيا أفضل من المالكي، والمفارقة أنهما أقل حرصا على الطائفية منه. هو يعتقد بمزايدته عليهما، وبقية القيادات الشيعية، باضطهاده السنة والمجاهرة بذلك، أنه يتكسب شعبيا، ويضع قيادات الشيعة الأخرى في الزاوية عند الشيعة المتطرفين والمحافظين، مستخدما لغة التخويف والتحريض والتوظيف.
ويؤكد هذا، أن المالكي همش أيضا معظم ممثلي الأحزاب الشيعية التي أوصلته لرئاسة الوزراء، باحتكاره السلطات، إلى درجة أنه أسس مكتبا في رئاسة الوزراء لإدارة الوزارات الرئيسة، ووضع ميزانية ضخمة خاصة له، وبذلك جرد معظم الوزراء من صلاحياتهم. هي نفس عقلية الاستيلاء على الدولة التي مارسها سلفه صدام حسين. وعندما وقعت الكارثة، بسقوط مدينة الموصل وما تلاها من مدن وقواعد، نقل اللوم على أكتاف قوات الجيش، وإلا فكيف يمكن لرئيس الوزراء أن يحاسب وزير الدفاع، وهو نفسه وزير الدفاع ووزير الداخلية والمالية والمخابرات؟!
لهذا، كان المالكي يبحث عن مخرج للتهرب من المسؤولية، ولو كانت الهزيمة في أي دولة أخرى لتمت محاكمته ومحاسبته. للإفلات من اللوم، اخترع رواية المؤامرة، لكن من المتآمر أو المتآمرون؟ لم يسمِ أحدا، لأنها رواية إذا خاض في تفاصيلها ليست مقنعة. فهو نفسه وزير الدفاع الذي انتقى كل قيادات الجيش، بمن فيهم الذين في الموصل وبقية محافظة نينوى، وخذلوه، وهم في معظمهم شيعة، وكذلك قيادات المخابرات العامة والعسكرية والأمنية. وعندما هوجمت حمص من فئة مسلحة قليلة، لم يحاربها الجيش، بل فرت قياداته تاركة آلاف الجنود محاصرين في خطر. فالجيش كان أيضا ضحية قرارات المالكي واختياراته، وفساد إدارته. وللتهرب، بدأ باتهام دول إقليمية، بما فيها السعودية، فكيف يمكن لدول، مثل السعودية، أن تتآمر في بلد عدد قواته أكثر من قواتها، ومدربة من الأميركيين؟ ولماذا تتآمر على تغيير النظام وهي التي رفضت عشر سنوات متتالية التدخل في تشكيل النظام عندما أتيحت لها فرص كثيرة؟
ختاما، العراق لا يحتمل المزيد من المشاكل، ولا المنطقة أيضا، وهو الآن على مفترق طرق؛ إما أن يلملم الأجزاء المكسورة ويبدأ معالجة الأخطاء الحقيقية، بالمصالحة الداخلية وتفعيل نظامه ليتسع للجميع، وإما أن يسير وراء الأكاذيب ليغرق في المزيد من المشاكل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المالكي واتهامه السعودية المالكي واتهامه السعودية



GMT 15:20 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

فقه الأولويات

GMT 10:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المايسترو

GMT 10:35 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أندلس قاسم سليماني... المفقود

GMT 10:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتيتان «الجهادية» والتقدمية... أيهما تربح السباق؟

GMT 10:31 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

... وَحَسْبُكَ أنّه استقلالُ

GMT 10:30 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

تصادم الخرائط

GMT 10:28 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

اقتصاد أوروبا بين مطرقة أميركا وسندان الصين

GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon