عبد الرحمن الراشد
صحيح أن النتائج في الانتخابات الماضية سرقت من الدكتور إياد علاوي وكتلته، الذي حصل على أعلى الأصوات، لكن أعطي حق تشكيل حكومة ائتلافية لمنافسه نوري المالكي وكتلته. وصحيح أن انتخابات الأربعاء الماضي حرمت منها مناطق واسعة، بسبب العنف والتهميش الذي منع فئة من الشعب العراقي من المشاركة. وصحيح أنه ليس مستبعدا أن ترمى النتائج في سلة المهملات، مثل المرة الماضية، ويمنح حق تشكيل الحكومة للفريق «الأنسب سياسيا»، بما قد يعنيه ذلك من طائفية عفنة وإملاءات إيرانية.
رغم كل هذه الشقوق الحالية، والخروق المقبلة، تبقى الانتخابات العراقية غير عادية، بمقاييس الانتخاب الإقليمية، من إيران شرقا وحتى الجزائر غربا. التعددية السياسية، والشخصيات، والأحزاب، والنقاشات، والتنوع الحقيقي، كلها تسبغ على الانتخابات العراقية شكلا وقيمة تستحق التقدير. في انتخابات الأربعاء الماضي، تنافس على 328 مقعدا برلمانيا، تسعة آلاف مرشح، بينهم ألفان وستمائة امرأة. رقم مذهل لا يعبر فقط عن حدة المنافسة، بل أيضا عن تنامي الاهتمام بالتمثيل النيابي. وهذا الإقبال على امتهان العمل البرلماني سيفرض نفسه أخيرا، ببروز مجتمع سياسي نشط سيصعب على القوى المحلية والخارجية إدارته كيفما تشاء.
هذا الحماس نراه على مستوى المرشحين، وداخل مهنة العمل النيابي. أما على مستوى القاعدة، أي جمهور الناخبين الذين هم التربة الحقيقية لأي مستقبل لمؤسسة الحكم العراقية، فمن المبكر أن نحكم عليها. فعدد العراقيين الذين يحق لهم الانتخاب أكثر من عشرين مليونا ونصف المليون، ولو أن ثلثهم فقط مارسوا فعلا حقهم في التصويت، باختيارهم ووعي بأهمية أصواتهم، لكانت العملية متكاملة الأركان، وتوحي بمستقبل أفضل للعراق. الإحصاءات الرسمية الأولية تبشر بأن النسبة ستون في المائة، وهذا إقبال هائل، إنما هناك من يشكك في الرقم، وهناك من يقبل به لكن يعتبرها حالة استثنائية نتيجة الشحن المصاحب للانتخابات. وفي كل الأحوال، سواء كان عدد المصوتين ثلاثين أم ستين في المائة، فإن الإقبال يعبر عن أن الناس تريد أن تقرر مستقبلها، ومستقبل أطفالها بالتصويت لممثليها النيابيين. وسواء طبخت النتائج، كما حدث في المرة الماضية، أم تركت لاختيار الناس واتفاق ممثليهم في تشكيل الائتلاف الذي يريدونه، فإن ما رأيناه يعطي الأمل بمستقبل أفضل للعراق، عسى ألا يفسده السياسيون في سوق الصراع على الحكم.