عبدالرحمن الرشد
قبل ثلاث سنوات كان «داعش» فرقة ذئاب صغيرة من بضع عشرات، اليوم هو قطيع من نحو ثلاثين ألفا، والسبب الاستهانة بخطره كجماعة فكرية تكفيرية انتحارية تبنت شعارا جذابا؛ مقاتلة النظام السوري الذي قتل عشرات الآلاف من المدنيين. وهكذا أصبح خطاب «داعش» السياسي، إنسانيا وأخلاقيا ودينيا، مقنعا جدا لكل المسلمين في أنحاء العالم.
إذا فهم المسؤولون الأميركيون هذه المقدمة البسيطة فإنهم سيدركون كيفية معالجة الوضع الخطير في العراق وسوريا، لكن إن استمروا في جهلهم فإنه سيستحيل عليهم كسب المعركة مهما كان حجم النيران والجهود العسكرية المبذولة في إطار التحالف القائم.
حاليا، واشنطن ترفض فكرة إقامة المنطقة المحمية للاجئين السوريين، داخل أو على حدود بلادهم، حيث يمكن أن يلجأ إليها ملايين النازحين، الهاربين من النظام. ونتيجة القرار الخاطئ ستكون ترك ملايين اليائسين السوريين فريسة لـ«داعش» و«النصرة»، اللذين يبيعان لشباب اللاجئين وعودا بهزيمة النظام ودخول الجنة. سيكون سهلا على «داعش» أن يجند آلافا من الفارين السوريين، إذا اقتنعوا بأن التحالف الغربي الدولي همه فقط مقاتلة «داعش» لا حمايتهم، فـ«داعش» بالنسبة لهم قتل بضعة آلاف من الناس، أما نظام الأسد فقد قتل منهم أكثر من ربع مليون إنسان. ولو تمكن المتطرفون من استمالة اللاجئين فسيستحيل على العالم الانتصار عليهم. على الحكومة الأميركية أن تدرك أن «داعش» هو نتيجة للفوضى، والفراغ، وضعف السلطة المركزية في دمشق، وأن القضاء على التطرف والإرهاب بمشروع سياسي أيضا يرضي أغلبية السوريين، وليس فقط المسيحيين الذين هم واحد في المائة من السكان، أو العلويين، ولا تزيد نسبتهم على عشرة في المائة. من دون مشروع سياسي تعلن عنه من الآن، ستسوء الأمور، وستزداد الجماعات الإرهابية استغلالا للوضع، وتكبر عددا وشعبية. وستقلب الرأي العام ضد التحالف فيكون مكروها عند ملايين السوريين، وملايين المسلمين المتعاطفين معهم.
والخطأ الآخر هو محاولة البيت الأبيض إرضاء إيران، بدعوتها للتعاون في سوريا والعراق ضد «داعش». فكيف تستطيع إيران، التي يحكمها نظام شيعي متطرف، مساعدة التحالف وإيران لا تملك تأثيرا على السنة؟ ما الذي يمكن أن يفعله نظام طهران أكثر مما حاول فعله خلال السنتين الماضيتين؟ فقد بذل كل ما يملك إبان حكم حليفه نوري المالكي في العراق وفشل، وتسبب في انهيار الأنبار وخمس محافظات عراقية أخرى، وسقوط الموصل في قبضة «داعش»، ثاني أكبر المدن العراقية. أيضا فشل الإيرانيون في سوريا، فهم يقاتلون فيها بقواتهم من الحرس الثوري، وبعشرات الآلاف من ميليشيات حليفة دعما لنظام الأسد، وفشلوا، وفقد النظام سيطرته على ثلثي البلاد! فكيف ستستطيع إيران دعم التحالف وهي التي فشلت في العراق وسوريا؟
على واشنطن أن تكف عن التردد، وتتوقف عن ارتكاب الأخطاء المكلفة، فهذه الحرب على الإرهاب أخطر من حربها على «القاعدة» في أفغانستان والعالم، لأن عدد مقاتلي «داعش» وحده اليوم ضعف عدد مقاتلي «القاعدة» في ذروة نشاطها قبل عشر سنوات، وعدد «داعش» سيتضاعف خلال الأشهر القليلة المقبلة بعكس ظنون المحللين، ما لم تتم إقامة أنظمة سياسية مركزية في الدول التي تعاني من الانهيارات، مثل سوريا والعراق.
بإمكاننا أن نقول للحكومة الأميركية اذهبوا مع الإيرانيين وقاتلوا «داعش»، و«النصرة»، ونحن قاعدون هنا نتفرج، لكننا نعرف مسبقا أن النتيجة ستكون فشلا ذريعا ومريعا، تعم بعده الفوضى والخراب والإرهاب.