عبد الرحمن الراشد
فداحة خسائر سوق الأسهم، وتدهور أسعار البترول لأول مرة منذ سنوات، وأنباء مجازر «داعش»، واعتداءات إرهابيين في الرياض ومحيطها، وحمى مباريات كرة القدم، كلها توارت في السعودية هذا الأسبوع أمام قصة واحدة. فقد ظهر الشيخ أحمد قاسم الغامدي مع زوجته كاشفة وجهها، على شاشة التلفزيون. وبالمقاييس المحلية، هذه تعتبر مثل قنبلة نووية وسرعان ما تحولت إلى قضية جدل لم يسكت بعد، انتشرت على كل المستويات والمنصات.
وهي قد تبدو مسألة تافهة في أي بلد إسلامي آخر إنما هنا شكلت صدمة للغاضبين، ومفاجأة باهرة للمؤيدين، مؤكدة على انقسام حاد داخل المجتمع السعودي، الذي يموج بتيارات تعبر عن تنوعه. هناك من هدد بمقاضاته، لا أدري على ماذا؟ وهناك من اعتبره رائدا تحديثيا سيخلده التاريخ. والحقيقة الأكيدة أن الشيخ أحمد خض الشارع وخلط الأوراق من جديد، مع أن هناك الكثير قبله فعلوها لكنه رجل الدين الأول، وسبق له أن تولى مناصب دينية مؤثرة، وقبل تحدي خصومه الذين اتهموه بالنفاق ونصح الغير بما لا يستطيع فعله. وعلى برنامج الزميلة بدرية البشر، على «إم بي سي»، جاء برفقة زوجته متباهيا ومتحديا، ولم تسكت الساحات الإعلامية حوله بعد.
والحقيقة أن الجديد ليس فقط في جرأة شيخ على تحدي الخط التقليدي، بل في الحرية التي مكنت وصول الرسائل الممنوعة، في شجاعة الإعلاميين، وفي قناعة بعض رجال الدين بالاكتفاء بالتعبير عن رأيهم ضده دون ملاحقته، وفي انخراط الشباب والشيوخ والنساء والرجال في الجدل. المناخ هو القصة، بيئة متطورة، وقادرة على التفاعل.
قضايا المجتمع لا تزال في المقدمة، تسبق قضايا السياسة والمعيشة والفن، رغم أن الكثيرين يحاولون التهوين منها، اعتقادا بأنها مجرد إثارة مفتعلة، غير معترفين، أو واعين، لطبيعة التغيرات المجتمعية التي تصاحب تبدل الأجيال، ودور التقنية في الحياة اليومية، والإمكانيات المادية، والتعليم، والسفر خارج الحدود. كلها مؤثرات مهمة ومستمرة وفاعلة، رغم استمرار الرافضين لها.
كيف نرصد التأثير والتغيير الاجتماعي؟ أعتقد أن هذه هي الحلقة القاصرة، حيث إن القليل من البحوث والاستطلاعات تتم، والأقل منها ينشر، وله مصداقية علمية تمكننا من فهم وتقييم ما يدور ويحدث، إن كانت مجرد فقاعات أو أنها تغييرات اجتماعية طبيعية وحقيقية.
الشيخ أحمد نجح في استدراج مخالفيه إلى المربع الذي يريده، إلى النقاش الجماهيري الواسع. وفي البلد مربعات كثيرة، مثل الجامعات المحلية التي وحدها تحتضن أكثر من سبعمائة ألف طالب وطالبة، يمثلون الجيل التالي المنخرط بقوة في وسائل التواصل والتفاعل مع ما يقال، وهناك أكثر ممن سبقوهم، وبالتالي يصبح التحديث هو الحالة الطبيعية وليس الجمود. الحوار في مناخ صحي، طالما أن النقاش لا يتم منعه، وأن المتجادلين يسعون لاستمالة الرأي العام بدلا من فرض رأيهم عليه.