عبد الرحمن الراشد
عجزت عن فهم خطة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا لحل الأزمة في سوريا، التي نشرت تسريباتها، فهي توحي بمشروعين متناقضين في سلة واحدة؛ نظام يحكمه بشار الأسد، ومناطق تحكمها الجماعات المسلحة المعارضة، وجميعها تقبل بوقف الاقتتال، طوال عامين!
لا أدري إن كانت قراءتي صحيحة لكن يوجد غموض ربما متعمد من أجل أن يرسم الحل لاحقا، وفق قدرات الأطراف على التنازل. تفكيكا للغموض سنفترض أن هناك أربع قراءات لمشروع ميستورا، في ظل الواقع السوري اليوم، فكرته تقول الحل بلد بلا مركزية، نتيجة لتعدد القوى، وانكماش النظام على الأرض، وبناء عليه كل يحكم المنطقة التي يسيطر عليها.
التفسير الأول، يبقى الأسد رئيساً في دمشق، وتشاركه المعارضة في الحكومة، لكن تقتصر سلطته على ما تبقى له من سوريا، والجيش الحر يدير مناطقه، والقوى المقاتلة الأخرى في مناطقها. وبالطبع، سيتم استبعاد «داعش» و«جبهة النصرة» و«أحرار الشام» الإرهابية من هذه الشراكة، مما يعني أن على النظام والمعارضة أن يتفقا ليس فقط في القبول بالأسد، بل أيضا عليهما التحالف ومقاتلة التنظيمات الإرهابية. إن كان تفسيري صحيحا، هنا أقول لميستورا عليه أن يكمل مشاهدة أفلام هوليوود، فهي أقرب إلى الواقع من تطبيق هذا الطرح الخيالي.
القراءة الثانية، التنازل، والقبول بالحد الأدنى الممكن، فيخرج الأسد من الحكم ويتم تأليف نظام هجين من بقايا النظام مع المعارضة المعتدلة، ويحافظ كل طرف على المناطق التي يمسك بها الآن. هذا التفسير أقرب إلى وثيقة مؤتمر جنيف الأول، لكن دون نظام مركزي واحد. ورغم أنه يحمل بذرات التنازع، يبقى وصفة معقولة نسبيا، لكن الأسد سيرفض الخروج.
القراءة الثالثة، التنازل لكن بلا حكومة مشتركة، ويتوقف الاقتتال لسنتين، فيبقى نظام الأسد دون شخص الأسد الذي عليه أن يتنحى، ويحكم خلفه دمشق. هنا يشعر كل طرف أنه انتصر جزئيا.
أما الاحتمال الأخير، وأخشى أنه أقرب إلى الصحة، مثل الثالث بتجميد الوضع في هدنة لعامين. لكن يبقى النظام نفسه، والرئيس نفسه، وتترك المعارضة كما هي تدير مناطقها، ممنوعة من التسلح، في وقت يصلح النظام جيشه المكسور ويعيد ملء مخازنه بالذخيرة. ميستورا، هنا، كأنه يقترح الصيغة الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية؛ إدارة محلية خاضعة للعدو! وهذا مثل الأول، أمر يستحيل أن يقبل به أكثر المعارضين تفتحا وتسامحا، وإن وجد من يوقع عليه سيقتل على باب داره.
ويبدو لي، أن كل الاحتمالات مستوحاة من الحالة الصومالية. فهذا البلد الأفريقي تفكك نتيجة للاقتتال الداخلي صار بلا نظام واحد، ولا عاصمة مركزية، وبقي الوضع مجمدا كما كان بنحو عشر قوى متنافرة.
إذا أصر ميستورا على ترويج فكرة الهدنة دون تنازلات، فهذا يعني المد في عمر النظام لعامين آخرين. وهنا نشم رائحة الطبيخ الإيراني. فالتأجيل، منذ البداية، دائما كان منهج الأسد وحليفه الإيراني. ففي صيف 2011، أي بعد نحو خمسة أشهر من اشتعال الانتفاضة، تعهد الرئيس السوري بتبني الأفكار التركية، ووعد الأتراك بالإصلاح السياسي، لوقف المظاهرات السلمية التي كانت تدعو لإسقاط الأسد، ثم اكتشف الجميع أنها كانت خدعة لبدء عمليات التصفية الجماعية.
وفي ربيع العام التالي، استدرج الأسد الروس، ووعدهم إن دعموه بالقوة أن يقضي على الثورة في شهرين، فورطهم في الحرب معه، ولم ينجح بل خسر المزيد. وفي العام الماضي، لجأ إلى فكرة الاستعانة بالقوات والميليشيات الخارجية، من إيران وحزب الله وأخرى عراقية، وأنها ستمكنه من الانتصار العددي والنوعي. وهلل لها أنصاره، لكن، مر عام ونصف، ولا تزال تحاصره المعارضة إلى اليوم، وقادرة على قطع طريق المطار في دمشق نفسها. والأعظم دبت الفوضى وظهر معها الغول المسمى بـ«داعش». وبالتالي تمديد الوقت كان دائما عاملا سيئا لسوريا وللعالم. والآن، يطرح ميستورا فكرة هدنة السنتين، التي قد تعني الإبقاء على الأسد، مكررا فكرة الإيرانيين بشراء المزيد من الوقت للنظام، لتقوية النظام، والحيلة ستكون، بدل أن ينتبه المعارضون إلى لعبة الوقت سيلتهون بتفاصيل الخرائط وتقسيم دوائر الحكم، دون مصادر لإدارة مناطقهم ودون سلاح يقاتلون به عدوهم.