توقيت القاهرة المحلي 13:05:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من اكتشف «من اكتشف أميركا»؟

  مصر اليوم -

من اكتشف «من اكتشف أميركا»

عبد الرحمن الراشد

قرأت النقد الحاد الذي وجهه عدد من الكتاب العرب ضد تصريحات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، لأنه قال لجمع من القيادات الإسلامية في أميركا، دعاهم لأسطنبول، إن المسلمين هم من اكتشفوا أميركا وليس كولومبوس!

بالنسبة لي، وربما لغيري، مقولة إردوغان تعدّ شيئا من الترفيه الثقافي. لكن ربما ما قاله يزيد حنق الفاشلين الذين يشعرون بعقدة النقص، وذلك بلوم غيرهم، إن الغرب سرق كل شيء حتى اكتشافات المسلمين! وقد تثير مقولته سخرية آخرين، مثل المثقفين العرب.

والأرجح أن إردوغان «يخاطب الناس على قدر عقولهم»، بنزع كل إيجابيات الخصم وتلبيسها لنفسه!
فهل إعادة رواية من اكتشف أميركا يمكن أن يغير التاريخ؟ الأكيد أنه لن يغير الحاضر، فاليوم توجد أمم خارج العصر، هم نحن، وأمم في مقدمته. والمفارقة أنه في نفس الأيام التي خطب فيها إردوغان لجمهوره عن الماضي كان الأوروبيون يزفون نبأ أن مركبتهم الفضائية حطت لأول مرة على مذنب، والتي أطلقوها منذ عشر سنوات، تخيلوا رحلة عشر سنوات من أجل دراسة مذنب في مجاهل الفضاء.

هل يقول لنا إردوغان ما الذي فعلناه بأنفسنا في تلك السنوات العشر الماضية، من اغتيال الحريري إلى نهب عشرات المدن، وقتل مئات الآلاف من البشر، واستبدال ديكتاتوريين بآخرين أسوأ منهم؟
بتكرار روايات العقيد معمر القذافي، يخرج إردوغان من تجربة تركيا النهضوية الناجحة إلى صفوف مشعوذي السياسة ومهرجيها، لإرضاء الجمهور العاجز، مستعيرا بطولات غيره. وصحيح ما كتبه الاستاذ حازم صاغية في مقاله حول هذا الإشكال عند القيادات السياسية، بدفع الخلاف من السياسي إلى التنازع على التاريخي والثقافي. وهكذا يتم تطويع كل شيء وفق لحظة الخلاف.

من اكتشف أميركا؟ إذا كان المعنى هنا أول قدم بشرية وطأت أرض القارة، فإن العلماء سيؤكدون لك آلاف السنين، لم يكن هناك عرب ولا مسلمون. وإن كان المقصود أي قوم فتحوها، فإن المسلمين ربما وصلوا كغيرهم، من بحارة المحيط الأطلسي، إلى الشواطئ الشرقية المقابلة لكن لا قيمة لذلك. لا أحد يتنازع على من اكتشف بقية مجاهل الكرة الأرضية لأنها ليست بذات القيمة، ولا تستوجب الافتخار. الولايات المتحدة امتداد للحضارة الأوروبية، التي هي امتداد لما سبقها من حضارات.

الافتخار الكاذب لدينا ليس مقصورا على رواية التاريخ، بتزوير أصل شكسبير، واكتشاف الطيران، وتضخيم الذات في مرجعية الكيمياء والفيزياء والطب، بل تعداه إلى حملة الدكتوراه والبحوث. هكذا، وبهذه العقلية التي لا تقدر العلم والعلوم، بل تحتفي بتعليق الشهادات، والحصول على المراتب الوظيفية الحكومية، لن يتغير واقعنا، بل نمعن في العودة إلى الوراء.

التفاخر بالماضي، كما يفعل إردوغان، والنوم على مخدته كما يفعل منظرو الأصولية الدينية، فيه استغلال لاحباط الناس وعجزهم عن الخروج من الحفرة التي يعيشون فيها منذ قرون.

لدى إردوغان تجربة تركيا، وهي أفضل من بقية القادة، فيعطي مثلا من الحاضر لا أن يستعيره من فلكلور الماضي الذي لا قيمة له. ما قيمة أن المسلمين وصلوا رأس جبل، في ما يسمى اليوم كوبا، إذا لم يكن لهم في تطورها يد؟
إن علاقة المسلمين بأميركا مجرد طابور يقفون فيه استجداء للتأشيرة من القنصليات الأميركية، هاربين من بلدانهم، وحكوماتهم، يبحثون عن ملجأ لأولادهم، ووظيفة تعيشهم، ومصحات يعالجون فيها أمراضهم، وجامعات يتعلمون فيها. هذه هي المعادلة المعاصرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من اكتشف «من اكتشف أميركا» من اكتشف «من اكتشف أميركا»



GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

GMT 13:04 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

وماذا عن المواطنة!

GMT 13:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

لن نهادن القبح

GMT 15:43 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أين الشرع (فاروق)؟

GMT 15:42 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

لِنكَثّف إنارة شجرة الميلاد

GMT 15:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

نيولوك الإخوان وبوتوكس الجماعة

GMT 15:40 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

سوريّا المسالمة ولبنان المحارب!

GMT 15:39 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

عيد بيت لحم غير سعيد

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon