توقيت القاهرة المحلي 21:39:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من اكتشف «من اكتشف أميركا»؟

  مصر اليوم -

من اكتشف «من اكتشف أميركا»

عبد الرحمن الراشد

قرأت النقد الحاد الذي وجهه عدد من الكتاب العرب ضد تصريحات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، لأنه قال لجمع من القيادات الإسلامية في أميركا، دعاهم لأسطنبول، إن المسلمين هم من اكتشفوا أميركا وليس كولومبوس!

بالنسبة لي، وربما لغيري، مقولة إردوغان تعدّ شيئا من الترفيه الثقافي. لكن ربما ما قاله يزيد حنق الفاشلين الذين يشعرون بعقدة النقص، وذلك بلوم غيرهم، إن الغرب سرق كل شيء حتى اكتشافات المسلمين! وقد تثير مقولته سخرية آخرين، مثل المثقفين العرب.

والأرجح أن إردوغان «يخاطب الناس على قدر عقولهم»، بنزع كل إيجابيات الخصم وتلبيسها لنفسه!
فهل إعادة رواية من اكتشف أميركا يمكن أن يغير التاريخ؟ الأكيد أنه لن يغير الحاضر، فاليوم توجد أمم خارج العصر، هم نحن، وأمم في مقدمته. والمفارقة أنه في نفس الأيام التي خطب فيها إردوغان لجمهوره عن الماضي كان الأوروبيون يزفون نبأ أن مركبتهم الفضائية حطت لأول مرة على مذنب، والتي أطلقوها منذ عشر سنوات، تخيلوا رحلة عشر سنوات من أجل دراسة مذنب في مجاهل الفضاء.

هل يقول لنا إردوغان ما الذي فعلناه بأنفسنا في تلك السنوات العشر الماضية، من اغتيال الحريري إلى نهب عشرات المدن، وقتل مئات الآلاف من البشر، واستبدال ديكتاتوريين بآخرين أسوأ منهم؟
بتكرار روايات العقيد معمر القذافي، يخرج إردوغان من تجربة تركيا النهضوية الناجحة إلى صفوف مشعوذي السياسة ومهرجيها، لإرضاء الجمهور العاجز، مستعيرا بطولات غيره. وصحيح ما كتبه الاستاذ حازم صاغية في مقاله حول هذا الإشكال عند القيادات السياسية، بدفع الخلاف من السياسي إلى التنازع على التاريخي والثقافي. وهكذا يتم تطويع كل شيء وفق لحظة الخلاف.

من اكتشف أميركا؟ إذا كان المعنى هنا أول قدم بشرية وطأت أرض القارة، فإن العلماء سيؤكدون لك آلاف السنين، لم يكن هناك عرب ولا مسلمون. وإن كان المقصود أي قوم فتحوها، فإن المسلمين ربما وصلوا كغيرهم، من بحارة المحيط الأطلسي، إلى الشواطئ الشرقية المقابلة لكن لا قيمة لذلك. لا أحد يتنازع على من اكتشف بقية مجاهل الكرة الأرضية لأنها ليست بذات القيمة، ولا تستوجب الافتخار. الولايات المتحدة امتداد للحضارة الأوروبية، التي هي امتداد لما سبقها من حضارات.

الافتخار الكاذب لدينا ليس مقصورا على رواية التاريخ، بتزوير أصل شكسبير، واكتشاف الطيران، وتضخيم الذات في مرجعية الكيمياء والفيزياء والطب، بل تعداه إلى حملة الدكتوراه والبحوث. هكذا، وبهذه العقلية التي لا تقدر العلم والعلوم، بل تحتفي بتعليق الشهادات، والحصول على المراتب الوظيفية الحكومية، لن يتغير واقعنا، بل نمعن في العودة إلى الوراء.

التفاخر بالماضي، كما يفعل إردوغان، والنوم على مخدته كما يفعل منظرو الأصولية الدينية، فيه استغلال لاحباط الناس وعجزهم عن الخروج من الحفرة التي يعيشون فيها منذ قرون.

لدى إردوغان تجربة تركيا، وهي أفضل من بقية القادة، فيعطي مثلا من الحاضر لا أن يستعيره من فلكلور الماضي الذي لا قيمة له. ما قيمة أن المسلمين وصلوا رأس جبل، في ما يسمى اليوم كوبا، إذا لم يكن لهم في تطورها يد؟
إن علاقة المسلمين بأميركا مجرد طابور يقفون فيه استجداء للتأشيرة من القنصليات الأميركية، هاربين من بلدانهم، وحكوماتهم، يبحثون عن ملجأ لأولادهم، ووظيفة تعيشهم، ومصحات يعالجون فيها أمراضهم، وجامعات يتعلمون فيها. هذه هي المعادلة المعاصرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من اكتشف «من اكتشف أميركا» من اكتشف «من اكتشف أميركا»



GMT 08:58 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 08:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 08:43 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 08:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 07:32 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 07:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 07:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 07:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon